في عالم لم يعد فيه الانفصال الرقمي ممكنا اصبحت الاسرة في موقع دقيق يتطلب منها وعيا جديدا بمفاهيم التربية والتوجيه فبينما ينمو الاطفال في بيئة رقمية مفتوحة تتسارع فيها التقنيات وتتشابك فيها المؤثرات يبقى السؤال الاهم كيف يمكن للاسرة ان تظل حاضنة حقيقية لتوازن الابناء وسط هذا الضجيج الرقمي
الاسرة ليست مراقبا بل قائدا
الخطا الشائع الذي تقع فيه كثير من الاسر هو ان تتحول الى جهة رقابية فقط تراقب الجهاز وتمنع وتسمح بينما المطلوب هو ان تتحول الاسرة الى جهة قيادية توجه وتنمي وتشارك فالمشكلة ليست في التكنولوجيا بل في كيفية التعامل معها
مثال تطبيقي اسرة تقوم كل نهاية اسبوع بجلسة حوارية مع الابناء حول ما شاهدوه او استخدموه من تطبيقات خلال الاسبوع مع مناقشة المحتوى والاثر وتقديم بدائل مفيدة هنا تتحول الاجهزة من مصدر خطر الى مادة تربوية للنقاش
قواعد منزلية ذكية
لابد ان يكون هناك اتفاق عائلي واضح حول استخدام الاجهزة الذكية وليس قرارات فردية عشوائية ومن ذلك
- تحديد اوقات محددة لاستخدام الجهاز مثلا ساعة يوميا بعد اداء الواجبات والمهام
- منع استخدام الجهاز اثناء الوجبات والنوم والتجمعات العائلية
- الاتفاق على نوعية المحتوى المسموح به مثل التطبيقات التعليمية والمحتوى التفاعلي الايجابي
- مراقبة غير مباشرة من خلال الاطلاع الدوري على تاريخ التصفح ومتابعة التغييرات السلوكية
مثال تطبيقي قامت احدى الامهات بطباعة لائحة بسيطة علقتها في المطبخ بعنوان قوانين استخدام الجهاز تشمل بنودا واضحة مثل ممنوع استخدام الجهاز اثناء الاكل ويسمح به بعد انهاء الدراسة واستبداله بالقراءة ساعة اسبوعيا
شارك قبل ان تراقب
التربية الرقمية لا تعني الحظر بل المشاركة لابد ان يعيش الاب والام التجربة الرقمية مع الطفل فيتشاركون في مشاهدة فيديو تعليمي او يتحدون بعضهم في لعبة ذكية او يناقشون محتوى قصة الكترونية
مثال تطبيقي اب جلس مع ابنته في العاشرة من عمرها لمشاهدة فيديو عن الفضاء ثم طلب منها ان ترسم كوكبا جديدا تتخيله وتكتب عنه فقرة هنا تحولت الشاشة الى بوابة ابداع لا مجرد وقت ضائع
نماذج واقعية بديلة
لابد ان تقدم الاسرة بدائل حقيقية للوقت الرقمي مثل
- انشطة يدوية كالرسم والنجارة البسيطة والطهي
- الالعاب الجماعية داخل البيت مثل الالغاز والمكعبات والمسابقات
- زيارات دورية للمكتبة او الحديقة
- التسجيل في ناد رياضي او فني او علمي
مثال تطبيقي اسرة حددت يوم الجمعة يوما بلا شاشات واطلقوا عليه يوم العائلة يقوم فيه الجميع باعداد وجبة معا ثم يخرجون للحديقة ويعودون للعب لعبة جماعية وتنتهي الليلة بسرد قصة من احد الابناء
غرس القيم قبل اعطاء الادوات
قبل ان نسلم الجهاز للطفل علينا ان نغرس فيه الوعي والاخلاق لابد ان يفهم الطفل معنى الخصوصية والادب الرقمي واحترام الاخرين ورفض التنمر
مثال تطبيقي ام تحرص في كل مرة يستخدم فيها ابنها الجهاز ان تذكره بجملة ثابتة استخدم الجهاز بذكاء وكن محترما ولا تؤذ احدا بالكلمات هذه العبارة صارت قاعدة داخلية في سلوك الطفل
الختام التكنولوجيا اداة لا بديل
في النهاية تبقى التكنولوجيا جزءا من واقعنا لا يمكن الغاؤه ولكن يمكن توجيهه الطفل لا يحتاج الى حظر كامل بل الى تربية واعية تصنع منه انسانا متزنا قادرا على التفاعل مع العالم دون ان يفقد ذاته
فلنكن نحن القادة الرقميين في بيوتنا نوجه باحترام ونشارك بمحبة ونزرع في ابنائنا الثقة والادب والابداع في عالم لا يتوقف عن التغير
تعليقات
إرسال تعليق