حين يصبح الجهاز الذكي سلاحا بيد الطفل بين راحة الوالدين وهلاك الابناء
في ظل التسارع الرقمي الذي غزا تفاصيل الحياة اليومية اصبحت الاجهزة الذكية جزءا لا يتجزا من واقع الاسر وفي كثير من البيوت لم تعد هذه الاجهزة مجرد وسيلة للترفيه او التعلم بل تحولت تدريجيا الى حضانة افتراضية بديلة يلجا اليها الاهل بحثا عن راحة مؤقتة او هروب من متطلبات التربية اليومية لكن السؤال المحوري هنا هل نمنح ابناءنا ادوات للمتعة ام نضع بين ايديهم سلاحا يهدد براءتهم ونموهم
راحة الاباء على حساب الطفولة
كثير من الاباء وبحسن نية يمنحون ابناءهم الاجهزة الذكية لاسكات بكاء او لتهدئة غضب او لمنح انفسهم فسحة من الراحة بعد يوم مرهق وهنا تبدا دائرة مفرغة من الاعتماد غير الواعي على التكنولوجيا كبديل للتفاعل الانساني وتتحول الشاشات الى جدران عازلة تفصل الطفل عن عالمه الحقيقي
تخيل طفلا في الثالثة من عمره يمسك جهازا ذكيا لعدة ساعات يوميا يشاهد مقاطع متتابعة بلا نهاية ويستهلك محتوى لا يفهم غالبه ولا يراقب مضمونه ماذا يتبقى من طفولته سوى صمت ثقيل وملامح جامدة وابتسامات وهمية خلف مؤثرات بصرية سريعة
اثار متعددة الابعاد النمو تحت التهديد
الدراسات الحديثة والمشاهدات الميدانية تؤكد ان الادمان المبكر على الاجهزة الذكية يحدث شرخا في نمو الطفل على مستويات شتى
- لغويا عندما يصبح التفاعل رقميا يفقد الطفل مهارات المحادثة الحقيقية فنجد اطفالا يعجزون عن التعبير عن مشاعرهم او رغباتهم بالكلمات لانهم اعتادوا التلقي لا التفاعل
- نفسيا مشاعر القلق وضعف تقدير الذات وتقلبات المزاج وحتى الاكتئاب المبكر باتت تظهر على اطفال لا تتجاوز اعمارهم سبع سنوات احد الامثلة المؤلمة طفل في مرحلة الروضة اصبح يتجنب اللعب الجماعي ويفضل العزلة لانه لا يجد المتعة الا مع جهازه
- اجتماعيا ضعف العلاقات الاجتماعية ليس ترفا بل ازمة حقيقية اطفال اليوم يعجزون عن تكوين صداقات متوازنة لانهم لم يتعلموا مهارات الحوار والمشاركة او حتى قراءة تعابير الوجه
- ابداعيا بينما يفترض ان الطفولة هي مساحة الخيال نجد ان الطفل المفرط في استخدام الاجهزة الذكية يصبح مستهلكا لا مبدعا ينتظر الحلول الجاهزة بدل ان يبحث عنها او يبتكرها
- سلوكيا المحتوى غير الموجه قد يغير ميول الطفل ويزاحم منظومته القيمية ويغذي لديه انماطا من العدوانية او السلبية او حتى التبلد الانفعالي
عالم رقمي بلا حواجز
الاجهزة الذكية لا تفتح فقط ابوابا للترفيه بل تفتح ايضا نوافذ على مخاطر قد لا يدركها الاباء الا بعد فوات الاوان ومن ابرز تلك المخاطر
- التنمر الالكتروني حيث يصبح الطفل عرضة لتعليقات مؤذية او مواقف محرجة عبر تطبيقات الدردشة او الالعاب
- الابتزاز العاطفي والجنسي من خلال تطبيقات البث المباشر ومنصات غير خاضعة للرقابة قد يستدرج الطفل الى محتوى خطر او علاقات غير آمنة
- الوقوع في فخ الجماعات الفكرية المتطرفة بعض المنصات تسوق افكارا سامة تحت ستار التحديات او القصص البطولية فيتسلل الانحراف الى ذهن الطفل دون ان يشعر
- الادمان على المقارنات السلبية حين يرى الطفل حياة المؤثرين المزيفة يبدأ بالشعور بالنقص ويصاب بعدم الرضا عن نفسه او حياته
الاثار الجسدية لا تقل خطورة
الافراط في استخدام الاجهزة الذكية ينعكس ايضا على صحة الطفل الجسدية
- اجهاد العين الكثير من الاطفال يعانون من جفاف العين وظهور مبكر لاعراض ضعف النظر
- الام الرقبة والظهر الوضعيات الخاطئة لساعات طويلة تضر بالعمود الفقري والعضلات
- الصداع المزمن التوتر البصري والذهني المستمر يؤدي الى صداع متكرر دون سبب عضوي واضح
- الخمول العام غياب النشاط الحركي يحول الطفل الى كائن ساكن يرفض اللعب في الحديقة ويمل بسرعة من الانشطة البدنية
حلول عملية التكنولوجيا بوعي لا بتفريط
التحدي ليس في رفض الاجهزة الذكية بل في كيفية ادارتها ضمن بيئة تربوية متزنة وفيما يلي بعض التطبيقات الواقعية
- تخصيص وقت محدد يوميا لاستخدام الاجهزة لا يتجاوز ساعة واحدة للاطفال دون ثماني سنوات
- تحميل تطبيقات آمنة وذات محتوى تعليمي باشراف الوالدين
- مشاركة الطفل في انشطة بديلة كالرسم والقراءة والرياضة الجماعية
- بناء حوار يومي بين الاهل والطفل عن تجربته الرقمية ماذا شاهد ما الذي احبه ما الذي ازعجه
- غرس القيم الاخلاقية من خلال سرد القصص الواقعية التي تعزز التفكير النقدي والحذر الرقمي
التربية ليست رفاهية
في النهاية لا بد ان نوقن ان التربية الواعية لا تدار عن بعد ولا تختصر بتطبيق رقمي التربية فعل انساني يتطلب الوقت والحضور والمشاركة العاطفية
فلنعد ترتيب اولوياتنا قد تمنحنا الاجهزة الذكية لحظات من الراحة لكنها قد تسلب ابناءنا سنوات من التوازن والنمو السليم فلنختر لهم ما يصنع وعيهم لا ما يستهلك اعمارهم خلف شاشات صامتة ولنجعل من التقنية اداة دعم لا اداة دمار
تعليقات
إرسال تعليق