نساؤنا ونساء الافرنج‎

أعجبتني الرسالة التالية وأنقلها لكم كما جاءت:


جاءني على البريد كتاب من سيدة فاضلة، لم تصرح باسمها ولكن أسلوبها نمّ على فضلها وأدبها ، شكت فيه أشياء واقترحت أشياء، وكان مما جاء في كلامها قولها:وانظر إلى ضيق الحياة التي تحياها المرأةالعربية وسعة الحياة عند الغربية، وقيد هذهوسعة تلك"
فوقفت عند هذه العبارة وفكرت فيها، وعزمت على أن أكتب إليها لأوضح لها خطأها فيما ذهبت إليه، ثم ذكرت أني لا أعرف اسمها ولا عنوانها . فقلت أجعل جوابها موضوع هذا المقال .
إن ما ظنته هذه السيدة يظنه كثير من السيدات، ولا يعترفن أن ذلك ظن وتخمين بل يرينه يقينا وفوق اليقين، وأصدق جواب على هذا وأخصره لفظا وأعمقه معنى، ما أجابت به تلك السيدة الأمريكية الأستاذ بهجة البيطار.
حدثني الأستاذ أنه كان يتكلم عن المرأة المسلمة في إحدى محاضراته في أمريكا ويذكر أن لها الاستقلال في شؤون المال ، لا ولاية عليها في مالها لزوجها ولا لأبيها ، وأنها إن كانت معسرة كلّف بنفقتها أبوها أو أخوها ، فإن لم يكن لها أخ فأي واحد من أقربائها الذين يرثونها ولو كان ابن عم عمها، وأن هذه النفقة تستمر إلى أن تتزوج أو يكون لها مال، وأنها إذا تزوجت كلف زوجها بنفقتها ولو كانت تملك مليونا وكان عاملا لا يملك شيئا.... إلى غير ذلك مما نعرفه نحن ويجهلونه هم عنا.
فقامت سيدة أمريكية من الأديبات المشهورات فقالت:"إذا كانت المرأة عندكم كما تقول فخذوني أعيش ستة أشهر ثم اقتلوني"
وعجب من مقالها وسأل عن حالها، فشرحت له حالها وحال البنات هناك، فإن المرأة الأمريكية تبدو حرة وهي مقيدة ، وتـُرى معززة وهي مهانة. إنهم يعظمونها في التوافه ويحقرونها في جسيمات الأمور . يُمسكون بيدها عند النزول من السيارة، ويُقدّمونها قبلهم عند الدخول للزيارة ، وربما قاموا لها لتقعد وأفسحوا لها لتجلس ولكنه في مقابلة ذلك يسيئون إليها إساءات لا تحتمل.
إذا بلغت البنت هناك سن الرشد قبض أبوها يده عنها وسد باب داره في وجهها ، وقال لها: اذهبي فتكسبي وكلي، لا يبالون أعاشت بجدها أم بجسدها ، ولا يسألون هل أكلت خبزها بيديها أم بثدييها . وليس هذا في أمريكا وحدها ، بل هو شأن القوم في ديارهم كلها. حدثنا أستاذنا الدكتور: يحيى الشماع من ثلاثة وثلاثين سنة (إثر عودته من دراسته من باريس) أنه ذهب إلى منزل أسرة دلوه عليها ليستأجر غرفة لديها، فقابل وهو داخل إلى الدار بنتا خارجة منها في عينيها أثر الدمع، فسأل ما لها؟ قالوا هذه بنتنا، ولكنها انفصلت عنا لتعيش وحدها. قال ولم؟ قالوا: لأنها دفعت أجرة عشرين فرنكا ، وغيرها يدفع ثلاثين !!
وإذا شككت في هذه القصة (ومن حقك الشك فيها لأنها – بالنسبة إليك ولكل عربي – شيء يكاد يدخل في باب المستحيل)، إذا شككت فاسألي الدكتور يؤكد لك أنه رآها وسمعها. ولقد قص علينا إخواننا الذين ذهبوا إلى أوروبا وأمريكا وخالطوا أهلها كثيرا من أمثالها.
لقد ابتذلت المرأة هناك وذلت حتى صارت تبذل ما نراه نحن أعز شيء عليها، وهو عرضها.. في سبيل ما نراه أهون شيء عليها وهو الخبز.
إن الفاسق عندنا . الفاسق يا سيدتي، يتبع هو المرأةويبذل لها الغالي والثمين، لأنه لا يجدها إلا بمشقة ولا يصل إليها إلا بنصب. 

استترت المرأة الشرقية فعزت، وتمنعت فطلبت ، وعرضت المرأة الغربية فهانت لأن كل شيء معروض مهان.
كان الشاعر العربي الأول إذا بدا له من المرأة الكف أو المعصم دار رأسه، وثارت نفسه، وامتلأ بالحب جنانه وانطلق بالشعر لسانه ؛ ذلك لأنها كانت مستترة مخبأة. أما المرأة الغربية فإن الرجل يرى على الساحل أعلاها وأدناها فينظر إلى ساقها فلا يثير في نفسه معنى ولا يحرك منه عاطفة ولا يرى فيه حياة . صار ساق المرأةورجْل الكرسي وخشبة الباب سواء!
ومن هنا كسدت عندهم سوق الزواج . الزواج رباط دائم يرتبط به الرجل مختارا ليصل إلى إرواء هذه الغريزة؛ هذا هو الدافع الأول إلى الزواج. فماذا يربط نفسه إذا كان يستطيع أن يرويها وهو طليق؟!!
لقد فقدت المرأة الغربية الزوج، ففقدت المعيل، فاقتحمت كل عمل لتعيش؛ فصارت تعمل في المصنع، وتشتغل في الحقل ، وتكنس الطريق من الأقذار.... لقد خبرنا من رأى في أوروبا البنات موظفات في المراحيض العامة ينظفنها لمن يريد الدخول... ومن النساء من تعمل في صبغ الأحذية تتخذ لها صندوقا وتبقى اليوم كله على أرصفة الشوارع ومنهن من تحمل في يدها كتابها تستعد بمطالعته لامتحانها ، فإذا وقف رجل مد حذاءه إلى وجهها فانحنت عليه واشتغلت به! هذه هي منزلة المرأة في ديارهم. على حين أن المرأة الشرقية تبقى دائما في بيتها، يكد الرجل ويشقى ليطعمها ويكسوها.
وإذا بلغت المرأة عندنا سن الزواج طلبها الرجل وتوسل إليها بالعطية الكبيرة ؛ المهر، يدفعه إليها فيكون حقا لها وحدها لا لأبيها ولا أخيها ، وليس لأحد التصرف في شيء منه إلا بإذنها. 
والمرأة الغربية تركض هي وراء الرجل، فتسقط خمسين سقطة قبل أن تصل إليه، وربما سقطت سقطة كان فيها ذهابها وهلاكها. ثم إن وجدته لم يتزوجها حتى تتوسل هي إليه بالمبلغ الكبير، حتى تدفع هي له المهر، ثم يكون له الإشراف على مالها يشاركها في التصرف فيه. والمرأة عندنا لها وحدها حق التصرف في مالها.
تقولين : كان هذا من زمان، وقد كسدت عندنا سوق الزواج وكثرت عندنا العوانس. وهذا صحيح ولكن لماذا ؟.
كان لأنا قلدنا الإفرنج فيما يشكون هم منه ويتمنون البعد عنه. كان لأن المستعمرين وضعوا في نفوسنا – خلال البعد الماضي الذي كنا نائمين وغافلين – أنهم أرقى منا رقيا وأكثر تقدما، وأن ما يفعلونه هو الصواب ، فقلدناهم في كل شيء.
ولكن هل يحتمل طبعنا العربي هذا التقليد كله ؟
كان العرب أغير الناس على الأعراض، حتى أنهم وأدوا البنات خوف العار.فهل يتمالك العربي نفسه أن يكون في حفلة فيأتي رجل يقول له:" اسمح لي ". يسمح له بماذا؟ لا بأن يريه ساعته، ولا بكبريت يشعل له دخينته، بل يسمح له بأن يأخذ منه زوجته يراقصها،
ليضم صدرها إلى صدره ويدني وجهه وساقها من ساقه!
ليس في الدنيا عربي يرضى بهذا، ولا يرضى به مسلم، ولا يكاد يرضى به رجل صادق الرجولة. بل إنه لا يرضى به من الحيوانات إلا الخنزير!
هذه حال نساء الغرب ، فهل نساء الغرب اليوم في خير حتى نبغي مثل الذي عندهن لنسائنا؟
لقد عرفتم ما قالت المرأة الأمريكية للشيخ بهجة الطيار. ولو نطقت كل ألمانية وكل فرنسية لقالت هذا. إنكم تنقمون من شريعتنا أنها تعطي البنات نصف ميراث الرجال، وتعدد الزوجات. فاسألوا نساء أمريكا: أما يقبلن أن يأخذن نصف ميراث الرجل وأن يُكلـّف الرجل وحده بالإنفاق عليهن؟ سلوا نساء ألمانيا بعد هذه الحرب: أما يتمنين أن يكون لكل عشر منهن زوج، يعدل بينهن وينفق عليهن؟
وبم تعالج مشكلة زيادة النساء في ألمانيا وأمثالها إلا بهذا؟ إذا كانت الطبيعة التي طبع الله الناس عليها توجب أن يجتمع النوعان، ما من اجتماعهما بد، ولم يكن إلا خمسون رجلا ومئة امرأة، فهل ثمة إلا أن يكون لكل امرأتين رجل؟ أوليست هذه فطرة الله في أنواع الحيوانات كلها؟ كم تبلغ نسبة الذكور إلى الإناث في النحل وفي الدجاج؟ أولا يتخذ الزوج الغربي أربعا ولكن بالحرام؟
أترضون بالثانية خليلة بعقد إبليس ولا ترضون بها حليلة بعقد الله؟!
لا يا سيدتي لا تظني أن نساء الغرب أسعد عيشا أو أعز وأكرم، لا والله، ليس في الدنيا أعز ولا أكرم من نسائنا.
إن الزوج عندنا لامرأته لا لخليلته ولا لصديقته، والمرأة لزوجها لا لعاشق ولا لرفيق، له وحده، لا تتكشف لغيره ولا يطلع عليها سواه. فهل هذا هو عيبنا عند هؤلاء المقلدين؟
هل يريد أحدكم أن تكون امرأته له ولغيره؟
هل يغضب إن ترك له صحنه ليأكل منه وحده، ولا يرضى حتى يأكل بصحن تقع فيه كل الأيدي؟
أيكون الطهر عيبا والعفاف عارا والخير شرا والنور ظلاما؟
حسبنا تفكيرا برؤوس غيرنا، حسبنا نظرا بعيون عدونا، حسبنا تقليدا كتقليد القرود ولنعد إلى أنفسنا، إلى عربيتنا وإسلامنا، إلى طهرنا وعفافنا.
ليس في الدنيا نساء خيرا من نسائنا ما تمسكن بحجابهن، وحافظن على آدابهن، وتقيدن بأخلاق العرب وأحكام الإسلام، وأعراف ذلك المجتمع الفاضل الذي أخرج منه عائشة أسماء والخنساء وخولة ورابعة ومئات من المربيات الفضيلات.
والعالمات الأديبات، والأمهات الديّنات الصينات اللائي ولدن أولئك الرجال الذين كانوا فرسان الميادين، وكانوا هم فرسان المنابر، وكانوا هم أبطال الفكر، وكانوا هم ملوك المال، وكانوا سادة الدنيا، وكنتن أمهات أولئك السادة }
 

Comments