المقالات الحديثة
recent

جيل يتعلم ليقود

 جيل يتعلم ليقود

بقلم د. بدر رمضان الحوسني


https://vt.tiktok.com/ZSALaRd7B/


التعليم لم يعد مجرد كتاب يفتح في الصباح ويغلق مع انتهاء الحصة. ولم يعد معلم يشرح وطلاب يستمعون في صمت. اليوم نحن امام واقع مختلف يتطلب فكرا تربويا جديدا يجعل الطالب جزءا من العملية التعليمية لا متفرجا عليها. الطالب لم يعد ينتظر المعرفة بل يشارك في صناعتها. ولم يعد يحفظ الدرس ليمتحن فيه بل يمارس ما تعلمه في حياته اليومية ومجتمعه.


من اهم الاستراتيجيات التي تصنع هذا التحول مجالس الطلبة. حين نعطي المجلس دور حقيقي في صياغة المبادرات وتنفيذها. فإننا نضع الطالب في موقع القيادة لا المشاهدة. يجتمع الاعضاء ليطرحوا فكرة لحملة مدرسية. يناقشونها. يضعون خطة عمل. يوزعون الادوار. ثم يقدمون تقرير بما انجزوا. هنا يتعلم الطالب معنى المسؤولية والعمل بروح الفريق. ويتدرب على مهارات التخطيط والادارة.


دمج المنهج بالحياة الواقعية هو ايضا ركيزة اساسية. فدرس الرياضيات يمكن ان يتحول الى تجربة اعداد ميزانية لمعرض مدرسي. ودرس اللغة الى كتابة خطاب رسمي يرفعه الطلبة لمجلسهم. والعلوم الى مشروع بيئي يترجم المفاهيم النظرية الى نشاط حي. بهذا الدمج يدرك الطالب ان المنهج ليس نص جامد بل اداة تساعده على الفهم والتأثير في محيطه.


اما الانشطة المدرسية فهي الجسر الذي يعبر به الطالب من المعرفة الى المهارة. حين ينفذ مشروع صحة مدرستي. فهو لا يحفظ فقط قواعد الصحة بل يخطط لحملة توعوية. يصمم مطويات. يعد محاضرات. يوزع نشرات الكترونية. هنا تترابط المعرفة مع الممارسة وتتشكل شخصية الطالب الواثقة.


التجارب الانتخابية داخل المدارس مثال اخر عملي. حين يترشح الطالب لانتخابات مجلس الطلبة. فهو يكتب برنامجا انتخابيا. يقف امام زملائه ليقنعهم. يمارس مهارات الخطابة والتفاوض. وزملاؤه يمارسون حق الاختيار. فيتعلم الجميع ان الديمقراطية ليست كلمة بل ممارسة ومسؤولية.


ويمكن ان يصبح الطالب معلما حين يقود ورشة قصيرة لزملائه. يختار موضوعا مثل التفكير النقدي او التصوير الصحفي. يحضر مادته. يقدمها. يجيب عن الاسئلة. بهذا الموقف البسيط يكتشف الطالب عمق ما تعلمه. ويدرك ان التعليم الحقيقي هو حين تنقل المعرفة لا حين تحفظها.


ولكي نوسع افق الطالب يجب ان ندمج المواد في مشاريع بينية. مجلة طلابية مثلا تجمع اللغة العربية في مقالات. الرياضيات في ارقام واحصاءات. التقنية في التصميم والاخراج. مشروع واحد يدمج معارف متعددة ليصنع انتاج متكامل. وهكذا يرى الطالب الصورة الكاملة للتعلم.


التعلم عبر القيادة يتجسد عندما يتولى رئيس مجلس الطلبة ادارة اجتماع رسمي. يضع جدول اعمال. يوزع النقاش. يلخص القرارات. ويرسلها الى الادارة. هذا التدريب العملي لا يقدمه اي كتاب ولكنه يصنع قادة حقيقيين يعرفون كيف يقودون فريق وينجزون مهمة.


ولا يمكن ان نغفل عن الشراكات مع المجتمع. حين ينظم مجلس الطلبة بالتعاون مع مكتبة عامة جلسة قراءة. او بالتعاون مع بلدية حملة بيئية. يتعلم الطالب ان المدرسة ليست جدران فقط بل منصة للاندماج في المجتمع وصناعة اثر فيه.


هكذا يتحول التعليم الى رحلة متكاملة. يبدأ من المجلس ويمر عبر المنهج ويترسخ بالانشطة وينضج بالممارسة المجتمعية. رحلة تصنع جيلا جديدا يفهم. ويشارك. ويقود.


Albder.com

From Blogger iPhone client
Albder.com

Albder.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.