بروفايل ... هارلي ودايفيدسون حولا صداقتهما إلى أسطورة نارية
في البداية كان الأمر لا يزيد على مجرد صبيين يعبثان بالمحركات في جراج منزلهما بعد أن شق عليهما ممارسة هوايتهما المحببة وهي صيد الاسماك لبعد مراكز الصيد عن سكنهما، بحث ويليام هارلي وارثر دايفيدسون عن هواية أخرى ووجدا ضالتهما المنشودة في ركوب الدراجات النارية، الأمر الذي سيساعدهما كذلك على الوصول وبسرعة إلى مراكز الصيد .
ولم يكن ليخطر ببال احدهما آنذاك ان هذه الهواية الممتعة يمكن أن تقودهما الى إنشاء واحدة من أكبر وأشهر شركات صناعة الدراجات النارية على مستوى العالم، الامبراطورية التي حققت مبيعات زادت على 1،5 مليار دولار في العام الماضي .
ولد ويليام اس . هارلي يوم 29 ديسمبر عام 1880 في ويسكنسون وعندما بلغ الخامسة عشر من عمره بدأ العمل في مصنع للدراجات الهوائية، وهناك تعلم الكثير عن صناعة الدراجات، ولم يمنعه عمله من استكمال دراسته حتى حصل على شهادة في الهندسة الميكانيكية من جامعة ويسكنسون ومع مرور الوقت كان اهتمامه بصناعة الدراجات والمحركات ينمو ويزداد شغفه بصورة لافتة .
أما ارثر دايفيدسون فولد عام 1881 وكان الأصغر بين 3 أولاد ومنذ الطفولة ربطت الصداقة الوطيدة بين ارثر وهارلي ولدى بلوغهما العشرين من عمرهما قررا تمضية وقت أطول سوياً في محاولة لتحقيق حلمهما بصناعة دراجة نارية تعمل بسلندر واحد، وبالفعل انغمسا تماماً ولمدة عامين كاملين في رسم مخططات محرك صغير يمكن وضعه ضمن إطار الدراجة العادية، وقاما بإنتاج الأجزاء التي اعتقدا أنها لازمة لهذه العملية، إلا أنهما لم يتمكنا من معرفة الطريقة الأنسب لتجميعها .
وبعد عامين من العمل الجاد والدؤوب قرر دايفيدسون ان يلجأ إلى مساعدة شقيقه الأكبر والتر والذي كان يعمل وقتها بوظيفة في شركة السكك الحديدية، وفي عام 1903 نجح الثلاثة في بناء أول نموذج لهم، وقرر والتر الاستقالة من وظيفته لملاحقة الفرصة التي شعر بأنها واعدة بالفعل، والتحق بعدها بالعمل كمساعد فني في ميلواكي بحيث يكون اقرب من منزل الأسرة بحيث تتسنى له مواصلة العمل على تجميع الدراجة النارية .
وأثبتت أول دراجة ينتجها الثلاثة نجاحها، إلا أن مستوى عملها لم يكن يرقى للمستوى المرجو، وقرر الثلاثة اعتبارها تجربة أولية وبداية ناجحة لعملية انتاج الدراجة النارية التي يطمحون لها، وبالفعل واصلوا العمل لإنتاج دراجة ثانية وشاركهم في هذه المرة شقيق دايفيدسون الآخر ويليام والذي كان يعمل بدوره وقتها في وظيفة براتب مجز في شركة السكك الحديدية في ميلواكي وقام الآخر بعد فترة قصيرة بالاستقالة من وظيفته هذه للسعي وراء الحلم المنشود .
وحققت الدراجة الثانية النجاح المرجو لتعد أول منتج حقيقي لشركة “هارلي دايفيدسون”، وبدأت الشركة الإنتاج الفعلي بحلول عام 1904 وبعد أن حققت دراجة “هارلي دايفيدسون” مستويات أداء متميزة في السباقات المحلية اقتنع الشركاء بنجاح الفكرة وقاموا بإطلاق الشركة بشكل رسمي، وبدأوا بإنتاج وتسويق 3 دراجات أخرى تلك السنة .
وركز الشركاء الأربعة جهودهم على هدف واحد وهو تحقيق النجاح المنشود لشركتهم الوليدة .
وتولى والتر دايفيدسون رئاسة الشركة، في حين اهتم شقيقه ويليام بالموارد البشرية ولعب ويليام هارلي دور كبير المهندسين ومسؤول الخزانة، وتركز دور آرثر في المبيعات، ويقول والتر دايفيدسون عن تلك الفترة “كنا نصل الليل بالنهار في عمل دؤوب حتى انني أذكر اننا قلما نحصل على عطلة اسبوعية أو شهرية، بل وكنا نعمل حتى الساعة الثامنة في أمسيتي عيد الميلاد والشكر” .
وفي عام 1905 أطلقت الشركة حملة دعاية متواضعة في الصحف المتخصصة في مجال السيارات والدراجات النارية، وكانت وقتها تركز على بيع المحركات للراغبين في تجميع دراجاتهم فهي لم تتوقف عن صناعة الدراجات النارية لكنها حصرت انتاجها في نطاق محدود مؤثرة التركيز على المحركات في مرحلة البداية .
ونمت مبيعات الشركة بشكل ملحوظ منذ العام الأول ليتسنى لها إنتاج أول مصنع لإنتاج الدراجات النارية عام 1906 مما سمح لها بزيادة الإنتاج من 12 دراجة في العام الأول إلى 50 دراجة وبحلول عام 1907 وصل الإنتاج إلى 150 دراجة نارية .
وخلق نجاح “هارلي دايفيدسون” الكثير من المنافسين، اكثر من 150 شركة سعت لتقليد منتجات دايفيدسون لكن عدداً قليلاً تمكن من تحقيق النجاح وضمان حصة من السوق في مواجهة المنافسة، ومع حلول عام 1913 قررت الشركة هدم وإزالة مصنعها لتشييد مكانه مركز شامل من 5 طوابق يكرس لهيمنة الشركة على قطاع صناعة الدراجات النارية، ووصل إنتاجها في 1914 إلى 16 ألف دراجة نارية .
ولدى دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى طلب الجيش الأمريكي من الشركة امدادها بعشرين ألف دراجة نارية، وفي عام 1920 تأكد للشركة مركزها كأكبر شركة لإنتاج الدراجات النارية على مستوى العالم مع ارتفاع الانتاج إلى 30 ألف دراجة نارية في السنة ووصول قاعدة المشترين إلى أكثر من 67 دولة، وتحققت للشركة ريادتها لسوق صناعة الدراجات النارية في العالم لدى فوز دراجتها بأول سباق لأكثر من 100 ميل بالساعة .
بيد أن الشركة تعرضت لأزمة أدت إلى تراجع مبيعاتها إلى 4 آلاف دراجة في العام في ظل الكساد الكبير، وبدأت الشركة خلال تلك الفترة في إنتاج دراجات بثلاث عجلات وحولت جزء من نشاطها كذلك لإنشاء محطات توليد الطاقة موظفة في ذلك تقنياتها لإنتاج المحركات، ولكن بعد انقضاء الأزمة استعادت الشركة ريادتها للسوق من جديد .
وبعد وفاة مؤسسيها قامت الشركة من انتكاسة خاصة بعد أن استحوذت عليها شركة “إيه إم إف” التي عرضتها للخسارة لكنها عادت واستردت ريادتها بعد أن اشترتها مجموعة من المستثمرين عمدت إلى تطبيق سياسات إدارية ناجحة . واليوم تسجل الشركة مبيعات تصل إلى مليارات الدولارات، وتوظف أكثر من 9 آلاف موظف حول العالم .