https://vt.tiktok.com/ZSSCHjjQr/
متى ينظر المدير إلى التفاصيل
إعداد د. بدر رمضان الحوسني
في بيئات العمل الحديثة، يُطلب من المدير أن يكون استراتيجيًا، يضع الرؤية ويتابع المؤشرات ويتخذ القرارات من على ارتفاع معقول. لكن القيادة الفاعلة لا تعني التجرد من التفاصيل، بل تعني معرفة متى تكون التفاصيل أداة لفهم الواقع، ومتى تتحول إلى عبء يعطّل المسار.
المدير لا يجب ان يغرق في التفاصيل كل يوم، لكن عليه ان يدرك اللحظة التي تتطلب منه ان يلتفت الى ما يبدو صغيرًا قبل ان يتحول الى مشكلة كبرى. التفاصيل ليست عبء دائم، لكنها في كثير من الاحيان مؤشر على ما لا يقال في التقارير ولا يُظهر في العروض المرئية.
فيما يلي مواقف محددة يكون من الضروري فيها ان ينظر المدير الى التفاصيل بنفسه:
- عند تكرار الخطأ رغم التوجيه
- اذا تكرر الخطأ نفسه في بيئة العمل رغم التوجيه السابق، فهذا يعني ان هناك خللا لم يُعالج، او ان التوجيه لم يكن واضحا او لم يصل بالشكل المناسب. هنا، على المدير ان ينظر في التفاصيل، كيف وُزع التوجيه، كيف فُهم، وكيف نُفذ، وما هي الفجوات التي سمحت بتكرار الخطأ.
- عندما لا تتطابق النتائج مع التقارير
- في بعض الاحيان، تقدم الفرق تقارير ايجابية، لكن الواقع الميداني لا يعكسها. عندما لا تتطابق المؤشرات الرقمية مع ما يُلاحظ فعليًا، يجب على المدير ان يتوقف عند التفاصيل: كيف جُمعت البيانات؟ هل هناك مبالغة في العرض؟ هل تم تفسير النتائج بشكل مضلل؟
- عند ضعف رضا المستفيد رغم الجهد المبذول
- قد يبذل الفريق جهدًا كبيرًا، لكن المستفيدين لا يشعرون بالقيمة، سواء كانوا طلبة، اولياء امور، عملاء، او مراجعين. هذا التباين يستدعي من المدير ان ينزل الى التفاصيل لفهم: هل المشكلة في جودة الخدمة؟ في اسلوب التواصل؟ في توقيت التنفيذ؟ الجهد وحده لا يكفي اذا لم يُترجم الى تجربة مُرضية.
- حين يشعر الفريق ان التفاصيل ليست اولوية
- عندما يبدأ الفريق بإهمال التفاصيل، او يتعامل معها كأمور ثانوية لا تستحق الانتباه، تبدأ ثقافة اللامبالاة في التسلل. تجاهل التفاصيل قد يؤدي الى الاخطاء الصغيرة التي تتراكم وتتحول الى فجوة كبيرة في جودة العمل. هنا، تدخل المدير في التفاصيل يعيد ضبط المعايير ويؤكد ان الجودة تبدأ من التفاصيل.
- عندما تتراكم الشكاوى او المؤشرات السلبية
- الشكاوى، حتى ان بدت بسيطة، هي إشارات مبكرة على مشكلات اعمق. تراكمها يستوجب من المدير ان يتتبع التفاصيل خلف كل شكوى: ماذا حدث؟ كيف تعامل الفريق؟ ما هي الجوانب التي اُهملت؟ تجاهل هذه التفاصيل قد يؤدي الى تكرار نفس الاخطاء وفقدان الثقة بالمؤسسة.
في كل هذه الحالات، لا يكون الدخول في التفاصيل ضعفًا اداريًا، بل هو وعي مهني وتدخل وقائي. المدير لا يحتاج ان يراقب كل صغيرة وكبيرة، لكن يحتاج ان يكون حاضرًا في التفاصيل حين يكون الغياب عنها مكلفًا.
خلاصة
التفاصيل ليست عدو المدير، بل هي اداة لفهم الواقع حين تصمت المؤشرات وتخفي العروض التقديمية الحقيقة. المدير القائد هو من يعرف متى يقود من بعيد، ومتى ينزل الى العمق ليرى بعينه، ويصحح المسار بيده. فالتوازن بين النظرة الكلية والانتباه للتفاصيل هو ما يصنع الفارق بين مدير يراقب العمل، ومدير يصنع النجاح.
-—-
نموذج تطبيقي: تمرين مهني بعنوان
“متى يجب أن أتدخل كمدير؟”
🔹 الهدف من التمرين:
مساعدة المدير على التمييز بين المواقف التي تستدعي الانخراط في التفاصيل، وتلك التي يُفضَّل فيها الإشراف الاستراتيجي فقط.
🔹 آلية التنفيذ:
اقرأ كل موقف من المواقف التالية، ثم قرّر:
- هل يتطلب تدخلك في التفاصيل؟
- أم يكفي المتابعة العامة من بعيد؟
- ولماذا؟
🔹 المواقف:
- فريقك سلّم تقريرًا شهريًا ممتازًا، لكنك تلقيت ثلاث شكاوى من المستفيدين عن تدني جودة الخدمة خلال نفس الشهر.
- تم تنفيذ حملة توعوية ناجحة حسب خطة الفريق، لكن لم يكن هناك أي تفاعل من الجمهور المستهدف على وسائل التواصل.
- الموظفون ينجزون المهام في وقتها، لكن هناك أخطاء متكررة في التنسيق الداخلي بين الأقسام.
- مشروع تطوير بيئة العمل أنجز بنسبة 95٪، حسب التقرير، لكن في جولتك لاحظت أن المكاتب ما زالت كما هي.
- اجتماع الفريق الأخير تم في موعده، لكن أغلب الحضور لم يشارك بأي مداخلة.
🔹 التوجيه:
لكل موقف، دوّن على ورقة:
- قرارك: التدخل التفصيلي أم لا
- السبب
- ما الإجراء العملي الذي ستتخذه كمدير؟
🔹 نقاش جماعي (اختياري في ورشة):
يمكن مناقشة القرارات مع زملائك المدراء لمعرفة وجهات النظر المختلفة، واكتساب رؤى جديدة حول أهمية التفاصيل.
رسالة ختامية:
المدير الفعال لا يتجاهل التفاصيل ولا يطاردها، بل يُحسن قراءة توقيتاتها.
الوعي اللحظي هو مهارة إدارية تتطلب تدريبًا، لا افتراضًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق