ادارة قطاع المدارس الحكومية بين التشابه والخصوصية: منظور ادارة المخاطر
https://vt.tiktok.com/ZSA2HcKNm/
تتشابه القطاعات الحكومية في بنيتها الادارية من حيث الحاجة الى التخطيط الاستراتيجي، ادارة الموارد، الحوكمة، والرقابة على الاداء. لكن حين يتعلق الامر بقطاع المدارس الحكومية، تتغير المعادلة، اذ يصبح البعد الانساني والاجتماعي والاخلاقي جزءا اساسيا من الادارة، مما يجعل المخاطر اكبر واكثر تعقيدا مقارنة بالقطاعات الاخرى.
اولا: لماذا المخاطر في التعليم اكبر؟
من منظور ادارة المخاطر، يمكن تحديد اسباب رئيسية تجعل ادارة المدارس اكثر حساسية:
1. البعد الانساني
ادارة المدارس تعني ادارة تكوين الانسان في مرحلة حرجة من حياته. القرار الاداري هنا لا ينعكس على خدمة عابرة، بل على شخصية الطالب وهويته ومستقبله. الخطأ في توظيف معلم، تصميم منهج، او ادارة بيئة صفية قد ينتج اثرا طويل المدى يتجاوز سنوات الدراسة الى مستقبل المجتمع.
2. المخاطر الاجتماعية
المدرسة ليست مؤسسة تعليمية فقط، بل جزء من النسيج الاجتماعي. سوء الادارة في هذا القطاع قد يؤدي الى تسرب دراسي، ضعف في الانضباط، او تراجع في القيم، وهذه كلها تتحول الى تحديات مجتمعية عامة يصعب معالجتها لاحقا. بخلاف قطاع النقل او الصحة حيث يظل الخلل محصورا في اطار الخدمة، الخلل في التعليم ينتشر عبر الاجيال.
3. المخاطر الاخلاقية والقيمية
المدرسة تمثل خط الدفاع الاول عن القيم الوطنية والاخلاقية. غياب رؤية واضحة في ادارتها او ضعف الحوكمة قد ينتج فجوة في الهوية الثقافية والاجتماعية. وفي بيئة عالمية مفتوحة، يصبح هذا الخطر مضاعفا اذا لم تتم ادارته وفق قواعد راسخة.
4. المخاطر المستقبلية
التعليم هو القطاع الوحيد الذي تظهر نتائجه الحقيقية بعد سنوات طويلة. قرارات اليوم في المناهج والقيادات المدرسية ستنعكس على نوعية الكفاءات التي ستقود الاقتصاد والسياسة والمجتمع بعد عقد او عقدين. وهذا يعني ان المخاطر ليست آنية فقط بل استراتيجية عابرة للاجيال.
5. مخاطر التوقعات المجتمعية
المجتمع يتوقع من المدارس اكثر مما يتوقعه من اي قطاع اخر: جودة تعليم، بناء شخصية، قيم، ابتكار، انضباط، مشاركة اسرية. هذه التوقعات تجعل هامش الخطأ ضيقا، وتجعل القادة التربويين تحت ضغط مضاعف من الاعلام، الاسر، والجهات الرقابية.
ثانيا: قواعد لادارة المخاطر في قطاع المدارس
حتى تستطيع القيادة العليا رعاية هذا القطاع بفاعلية، من المهم تبني قواعد عالية لادارة المخاطر، منها:
- الرصد المبكر: وضع انظمة انذار مبكر للمشكلات التربوية والسلوكية قبل ان تتفاقم.
- التحليل الشامل: التعامل مع المخاطر من زاوية انسانية ومجتمعية وليس من زاوية ارقام فقط.
- خطط استباقية: صياغة خطط بديلة لمواجهة احتمالات مثل نقص الكوادر او ازمات صحية او فجوات تقنية.
- التواصل مع اصحاب المصلحة: اشراك الاسر والمجتمع والطلبة في رسم السياسات، مما يقلل فجوة التوقعات.
- بناء ثقافة وقائية: تدريب القيادات المدرسية على التفكير بالمخاطر لا كرد فعل بعد وقوعها بل كجزء من ثقافة العمل اليومية.
خاتمة
ادارة قطاع المدارس الحكومية ليست مجرد عملية تشغيلية، بل هي ادارة مخاطر استراتيجية تمس مستقبل الدولة كله. فهي تتعامل مع الانسان في اخطر مراحله العمرية، وتتحكم في صياغة قيم المجتمع، وتحدد جودة رأس المال البشري القادم. لهذا تحتاج القيادات العليا الى حوكمة خاصة، وادوات دقيقة، ورؤية بعيدة المدى تجعل من ادارة المخاطر منهجا لا خيارا.
مثال
في احدى المدارس لاحظت الادارة تكرار تأخر الطلبة عن الحصص الاولى. بدلا من انتظار تفاقم المشكلة، فعلت نظام انذار مبكر:
- متابعة الكترونية للحضور يوميا.
- اتصال مباشر باولياء الامور بعد تكرار الغياب ثلاث مرات.
- جلسة ارشاد سلوكي للطلبة المتأخرين.
- مكافآت رمزية للفصول الملتزمة بالحضور المبكر.
النتيجة: انخفضت نسبة التأخر 60٪ خلال شهر واحد، وعاد الانضباط الى البيئة المدرسية.
هذا المثال يوضح ان الرصد المبكر والتدخل السريع هو جوهر ادارة المخاطر في المدارس. فمن لا يدير المخاطر اليوم، سيجد نفسه غدا امام ازمات اجتماعية واقتصادية واخلاقية يصعب حلها.
التعليم لا يقاس بالارقام فقط. يقاس بالانسان الذي يخرج منه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق