الطفل الموهوب والاسرة


يمثل الابن الموهوب ثروة لا تقدر بثمن وقد تكون الأسرة باباً للإبداع والتفوق، كما أنها قد تكون حجر عثرة في وجه ابنها الموهوب ، مما يجعـلـه يصرف موهبته إلى أعمال أخرى... حول هذه القضية استضفنا أطرافا لها اهتمامات بالموضوع من المختصين بالموهبة والموهوبين وحاولنا أن نحدد القضية في السؤال التالي: " كيف تكتشف الأسرة ابنها الموهوب وكيف تتعامل معه فيما بعد؟
وفي البداية نصح الأمين العام لمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين ، الدكتور حمد البعادي الأسرة التي لديها طفل موهوب بـأن تطلع على الكـتب التي تهتم بالموهوبين ورعـايتهم. وأشار البعادي إلى أن الموهوب يكتشف من خلال العلامات الظاهرة للموهبة ومنها البلاغة والقدرة على التعبير وسرعة إدراك الأوضاع المختلفة، ومنها قدرته على التعامل بذكاء مع البالغين والكبار ومنها ربط الظواهر وفهمها واسعاً ومنها الكفاءة غير المعتادة بالمدرسة.
البنية ليست علامة
وقلل البعادي من أهمية العلامات البدنية التي يعتمد عليها البعض، بل إنها قد تضلل، وأشار إلى أنه شخصياً لا يعتمد عليها فلا علامات بدنية تدل على الموهوب... وما يعتمد عليه في اكتشاف الموهوب قاعدتان: الأولى عامة وهي توفر بيئة ثرية بالمعلومات والمثيرات التي تسمح للطفل أن ينمو وتنطلق قدراته... والقاعدة الثانية خاصة، وهي أن تعرف الأسرة موهبة ابنها وتنميها باحتراف وتخصص حسب موهبته فمثلاً لو كـان موهوباً في الرياضيات يعطى دروسا بواسطة متخصصين يحبون الرياضيات، بحيث ينـقلونإلـيـه جمـالها وقس على ذلك بقية الحقول، كما يجدر بأسرة الموهوب أن تكون على علاقة جيدة مع المدرسة فبعض المواهب لا تصقلها المدرسة كما أنصح أولياء أمور الموهوبين بتسجيلهم في البرامج الإثرائية... ويذكر البعادي أن مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين تنظم برامج إثرائية ولكنها لا تستطيع أن تقدم جميع البرامج الإثرائية التي تحتاجها السعودية. وتمنى البعادي أن تطبق تلك البرامج في كل إدارات التعليم وفي كل الحقول وينصح البعادي الأسر القادرة مادياً بتسجيل ابنها الموهوب فيبعض المعاهد التي تتخصص في حقول معينة مثل الحاسب الآلي .
كيف نكتشف الموهوب؟
وعن اكتشاف الموهبة عند الطفل منذ الصغر، أشار الدكتور عبد الله الغميجان مساعد مدير عام الإدارة العامة لرعاية الموهوبين إلى الدور الكبير للأسرة في هذا الشـأن ، فهنـاك ثلاثة مقاييس لاكتشاف موهبة الطفل وكما يقول الدكتور الغميجان فمهما تعددت المقاييس فالأسرة هي المقياس الأهم ، أما كيف تكتشف الأسرة ابنها الموهوب فهو أمـر في غاية الأهمية كون الأسرة بحاجة أولاً إلى أن تعرف سمات الموهوبين وما هي سمة المنتج وكيف يمكن تمييز الموهبة ذات الطابع المتميز جداً وذات الطابع المتوسط، وكيف نميزمـا هـو لافت للنظر وليس بموهوب وهذا يحتاج إلى أن تكون الأسرة على دراية بالشروط العلمية .
      ثم إن من الضروري أن تكون هناك متابعة من الأسرة لطفلها، لمعرفة قدراته التحليلية خاصة في بداية سنتين وثلاث سنوات وبداية قدرته على الفهم والتبصر بمن حـوله ومعرفتهم كيف يتعامل مع الأشياء وأن تكون الأسرة دقيقة الملاحظة ولا يوجد طفل لا توجد لديه موهبة. وهذا شيء مفرح لكل أسرة ولكن كيف نكتشفها هذا هو الأساس فعندما نحدد الموهبة أو نمط الموهبة وهي بالدرجة الأولى في السـنوات المبـكرة من العمر تصبح رعـايتـه مـن بعـد أسهل  ، أما كيف نرعى الموهوب فكما يقول الدكتور الغميجان: أول خطوة لرعاية الطفل الموهوب اكتشاف موهبته فيجب على الأسرة معرفة قدرات طفلها وتميزه بعد ذلك تنظر في أنماط التعلم لدى الطفل وننظر إلى ما هو الأسلوب الأمثل للتعلم وما الأشياء التي يحبها والتي لا يحبها، وكيف يتعلم، وهذه بدايات في رعاية المـوهـوبين أما النقطة الثانية وهي الأهم فإن عدم تقديم أي شيء خير من تقديم السلبي... خاصة فيما يتعلق منها بالعـوائق وأما النقطة الثالثة في الرعـاية فهي تذليل العوائق ، أو العقبات لنمو الموهبة وهي في الغالب تتعلق بالعقبات الاجتماعية كالقضايا التي تتعلق بالتحطيم واهتزاز الشخصية في ثقة الطفل بنفسه، وهذه العوائق المتعددة بالقضايا الاجتماعية أي سمات الشخصية المؤثرة... فتأثيرها في الغالب يؤثر على نمو الموهبة عقليا ... فالناحية الاجتماعية دائماً ما تكون مؤثرة على نمو الطفل وتوفير البيئة الاجتماعية المناسبة التي تتيح للطفل التفكير الحر دون تدخلات مباشرة من الوالدين أو الأسرة بيئة مشجعة لنمو الموهبة.
البيئة والوسائل المعينة
ويشدد الغميجان على توفير مصادر التعلم المتعلقة بموهبة الطفل، بحيث تتيح الأسرة لابنها مجالا واسعا للتعلم من خلال مصادر التعلم والمعلومات في البيت، من خلال الإنترنت والكتب وغيرهما، ولابد من المحافظة على دافعية الطفل لينمي موهبته وهذهمسؤولية الأسرة بالدرجة الأولى. ولن يتم ذلك إلا إذا عرفنا الطفل نفسه بموهبته وقدراته ومواهبه، وما يتميز به من مواهب، كما نساعده على تفهم قدراته الشخصية والعقلية ونمطه بالتعلم . ومما يساعد على ذلك أن توفر له الأسرة الوسائل الممتعة. وليس شرطاً أن تكون كثيرة بل ممتعة ولابد أن يتاح للطفل أن يستمتع بموهبته دون أن تغدو مجالا للضغط النفسي عليه.
فتتجنب الأسرة أن تجعل موهبة الطفل عقابا للطفل نفسه، فلا تطالبه بحجة أنه موهوب بإنجازات متعددة كشرط أن يكون الأول في دراسته ودائماً أن يكون الأمثل بين أقرانه ... فهذا يسبب ضغطا نفسيا شديدا جداً يجعل الطفل يتخلص من أسباب ومسببات هذا الضغط، وهو التخلص من موهبته فيسعى إلى أن يظهر أنه ليست لديه قدرات، وهذا يحدث بطريقة غير مباشرة بسبب الضغوط النفسية التي غالباً ما يواجهها من الأبوين أو الأسرة بسبب وجود هذه القدرات.
أما المشرف على رعاية الموهوبين في مدارس التعليم العام في وزارة التربية والتعليم طارق بن معلا ، فأكد أن الأسرة حتى تكتشف ابنها الموهوب فهناك عدة أمور ينبغي أن تراعيها: وأهمها معرفة الأسرة لمرحلة النمو التي يعيشها الطفل، ثم معرفة سمات وخصائص الأطفال الموهوبين وعدم التسرع بالحكم على الطفل بالموهبة من عدمها، وعدم الاقتصار على عامل واحد. وعلى سبيل المثال الاقتصار على بعض السمات السلوكية للأطفال الموهوبين، واستشارة الجهات ذات العلاقة بالموهوب وهي ولله الحمد متوافرة ومنها مراكز رعاية المـوهوبين في مـدن ومحافظات السعودية... ومن المفيد كذلك مقارنة الطفل مع أقرانه الأطفال بمعنى هل هناك تميز واضح في أدائه وفي سماته.
      وعن رعاية الموهوب يقول الدكتور الغميجان: موضوع رعاية الطفل الموهوب تبدأ بالتعرف الصحيح على الطفل الموهوب لأن تقديم برامج خـاصة بالموهوبين لغير الموهوبين قد يؤثر على نفسية الطفل... كما أنه على الأسرة أن تعامل الطفل بنوع من الاستقلالية وأن تعطيه الفرصة للتعبير عن نفسه وتعويده الاعتماد على الذات واتخاذ القرارات بنفسه، وأن نعطي هذا الطفل قدراً منالحـرية لممارسة الهوايات والنشاطات التي يرغبها ويميل إليها وثالثاً أن نتدرج في الارتقاء لتنمية القدرات من الحفظ والتلقين إلى التحليل والتطبيق والتقرير وهناك نقطة أخـرى وهي عدم الإجابة عن أسئلة الطفل بشكل مباشر بل نعطيه الفرصة ليفكر ويجيب عن الأسئلة بنفسه مع توفير المعلومات التي تمكنه من الحصول على الإجابة الصحيحة.
إثارة التساؤلات
ويقترح الدكتور الغميجان على الأسرة أن تثير في عقل طفلها الموهوب التساؤلات النوعية: كيف لماذا أين... ثم تأخذ بالحوار والنقاش معه فيما يقرأ ويشاهد وتكوين الرأي حول ذلك. ويضاف إلى ذلك انتقاء الألعاب والكتب التي تساعد على تنمية التفكيروالحل والترفيه وإجراء التجارب ...مع الحذر من إرهاقه وتحميله فوق الطاقة والتخطيط معه على الأوقات التي يقرأ فيها ويتعلم الأخرى التي يستريح فيها وعدم التركيز عليه كثيراً وتمييزه بشكل خاص دون أخوته وأخواته لأن هذا قد يثير الغيرة في بقية إخوانهويبعث لديه الغرور والمبالغة. وهذا ربما يعرضه لمشكلات في التكيف الشخـصي والاجتماعي... ونقطة أخـرى يجب على الأسرة ألا تتفاخر به أكثر مما يجب وعدم تعريضه لوسـائل الإعلام بشكل كبير وزائـد عن الحد المعقول لأن هذا قد يؤثر على المكونـاتالاجتماعية والنفسية في شخصيته... و من الإرشادات التي يجب على أسرة الطفل الموهوب تنفيذها تشجيعه على زيارة المعارض العلمية والفنية والمواقع الأثرية التي توسع مداركـه وتعويـده على المثابرة وتقوية الحوافز والدوافع الداخلية لديه ويستحسن الدكتور الغميجان تخصيص مكان مناسب للطفل الموهوب لحفظ كتبه وأدواته وتشجيعه على ممارسة هواياته.
وأما عن الرعاية المدرسية للطالب الموهوب، فتحصل بمتابعته في المدرسة والمساهمة في تنمية قدراته ومنحه الفرصة للتعامل مع الآخرين كطفل وعدم التركيز بشكل كبير على موهبته دائما، والإكثار من تكرارها والحذر من الإشارة إلى رفض الفشل في أي مهمة يقوم بها أو إخفاقه في مهمة ما بحجة أنه موهوب... فالفشل أمر وارد لدى الطفل الموهوب وهذا لا يعني أن نترك له موضوع الكسل والإحباط ولكن يجب أن نأخذ بمبدأ المرونة الكافية لقبول النتائج مع توفير العزيمة لتعديل النتيجة.
ومراعاة الحالة النفسية للطفل الموهوب أمر مهم وكما يقول الدكتور الغميجان فالحاجة تشتد لهذا البعد النفسي - التربوي عند إنجاز الموهوب لأي عمل. ولا ننس أننا لا نريده أن ينجز الخوارق! بل نتوقع منه أشياء بسيطة بطرق جديدة.... والطفل الموهوب، يحب صداقة من يفهم أفكاره لذا نؤكد ونحرص على اختيار الأصدقاء ونستخدم أساليب متنوعة في الثواب والتركيز على أسلوب الثواب الذاتي بدلاً من الثواب المادي الخارجي.
ويشير فهد سليمان الفائز منسق البرامج الإثرائية بمؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين إلى أن الأسرة تعتبر من أهم المصادر في اكتشاف الطفل الموهوب ذلك لأنها البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الطفل وينمو فالوالدان من خلال ملاحظتهما للطفل طوال الوقت يستطيعان أن يتنبآ بموهبة الطفل منذ سن مبكرة . فالطفل لديه حب الفضول والاستكشاف والميل إلى القيام بنشاطات تفوق من هم في مثل سنه تعتبر مؤشراً على موهبته وتميزه، لذا يجب على الوالدين الاهتمام بهذا الجانب، “الملاحظة"، من خلال ملاحظة سلوك الطفل والأخذ بيده وتقديم الرعاية المناسبة له لضمان عدم تلاشي موهبته وانطفائها، ويتم ذلك من خلال توفير الوالدين المناخ المناسب للطفل لتنمية قدراته وإمكاناته، وعلى الوالدين مسؤولية كبيرة تتمثل في مشاركة طفلهم في اهتماماته الخاصة والبحث عن طرق تساعده على استثمار وقته من خلال الألعاب التي تساعد على تنمية التفكير أو برامج التلفاز التعليمية والقصص والكتب التي تثري الحصيلة اللغوية والفكرية للطفل على أن تكون مناسبة لسنه، كذلك ينبغي على الوالدين محاولة الإجابة عن جميع أسئلة واستفسارات الطفل بطريقة تناسب عمره وإدراكه، وتشجيع الطفل على البحث والتقصي عن المعلومات والاعتماد على نفسه في البحث عنها. وإتاحة الفرصة لحل المشكلات والعقبات التي تواجهه دونما تدخل مباشر من الوالدين في حلها بل يكون دورهما دور المراقب والمرشد ، كذلك إتاحة الفرصة للطفل في الاعتماد على نفسه بهدف بناء ثقته في نفسه وقدراته، وتشجيع الطفل على حب المغامرة والاكتشاف وعدم الاستسلام عند أول عائق يواجهه ومساعدته على توسيع مداركه وتنويع خبراته وتشجيعه على القراءة والإطلاع، ويحذر الفائز الوالدين من المبالغة في الإشادة بموهبة طفلهما الموهوب كيلا يصاب الطفل بالغرور والتكبر، والبعد عن تعنيف الطفل إذا أخطأ بل يجب أن يكون دورهما عند خطئه توجيهه وإرشاده والبعد كل البعد عن العقاب البدني كالضرب أو العقاب النفسي، "كالسخرية والاستهزاء"، من أفكاره حتى لا يتخوف الطفل من التعبير عنها ، مع البعد عن أسلوب المراقبة الشديدة التي تقتل روح الاكتشاف عند الطفل وحب المغامرة وهذا لا يعني بالطبع إهمال الطفل وتركه يفعل ما يشاء بل تكون المراقبةحذرة... و أن يتذكر الوالدان أن الطفل الموهوب كبقية الأطفال يحتاج أن يمارس الحياة بصورة طبيعية مثل أقرانه المعتادين.
مع الموهوبين
ولنستكمل جوانب قضيتنا التقينا بعض الطلاب الموهوبين فتحدثوا عن دور الأسرة في تنمية مواهبهم و تجربتهم مع البرامج الإثرائية، فقال الطالب نايف بن متلع العتيبي: البرامج تساعد الموهوب في حل المشكلات التي تعترض طريقه ... وعندما يبتكر بعض الابتكارات يواجه عدة مشكلات وأبرزها الفكرة وهل هي جديدة ورائدة ... كما تساعد هذه البرامج في تخطي المشكلات وتوجد مادة من ضمن البرامج الإثرائية تسمى مادة " تنمية مواهب التفكير " وهي تعلم الموهوب كيف يفكر وكيف يحلل المشاكل التي تعترضه مثل خوف الأهل أن ابنهم يضيع وقته في عمل غير مجد .. ولاشك أن البرامج الإثرائية المطبقة حاليا تعطي الموهوب ثقة في موهبته وعن دور الأسرة قال العتيبي إنها هي الأساس في موهبته مشيراً الى أنه لقي الدعم والتشجيع من والده - يرحمه الله - وإصراره بتسجيله في هذه البرامج لكي تكون عوناً له على تنمية موهبته ومساعدته في القبول بالجامعة في التخصص الذي يرغبه.
أما الطالب الموهوب أنس بن معلا اللويحق فيؤكد أن الموهوب لديه طاقات مخزونة وقد يمر عمر الشخص دون أن تكتشف وتقع مسؤولية 80% من صقلها وإبرازها على الأسرة بتوفير ما يحتاجه الموهوب من كتب وبرامج وأدوات و إبلاغ المرشد الطلابي بالمدرسة بشأنه لكي يساعد في صقل موهبة الطفل ... كما ترشد الأسرة ابنها إلى ما ينفع دينه أولاً ثم وطنه وإخوانه المسلمين خاصة في مثل هذه الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي ولها دور مهم في عدم الحط من قدراته وزرع الثقة في داخله وأشاراللويحق إلى أهمية البرامج الإثرائية التي أقامتها مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين والتي ركزت على الحاسب الآلي والمعلومات وكانت أكثر من ممتازة وأشار اللويحق إلى أهمية التقاء الطلاب الموهوبين مع بعضهم في مثل هذه البرامج لتنمية قدراتهم ومواهبهم ومساعدتهم بواسطة متخصصين في مجال موهبتهم.


منقول من جريدة الوطن السعودية

Comments