التربية باستخدام المواعظ وضرب الأمثلة والقصص




التربية باستخدام المواعظ وضرب الأمثلة والقصص
لمحمد بن سالم بن علي جابر
من أساليب التربية في السنَّة النبوية: استخدام المواعظ، وضرْب الأمثلة والقصص؛
فقد روي عن عبدالله بن مسعود- رضِي الله عنْه - أنَّه قال: "كان النَّبيُّ - 
- يَتَخَوَّلنا بالموعِظة في الأيَّام؛ كراهة السَّآمة عليْنا.
ولهذا الأسلوب الَّذي أقرَّته السنَّة النبويَّة أثرٌ بالغ في تربية الإنسان،
صغيرًا كان أو كبيرًا؛ لما فيه من ترْقيق للقلْب، ومخاطبة للنَّفس، واستثارة لعواطفها،
ولاسيَّما أنَّ في النَّفس استعدادًا للتأثُّر بما يلقى إليْها من الكلام،
وهو استعداد مؤقَّت في الغالب؛ ولذلك يلزمه التَّكرار،
والموعظة المؤثِّرة تفتح طريقَها إلى النَّفس مباشرة عن طريق الوجْدان، وتهزُّه هزًّا،
وتُثير كوامنَه لحظةً من الوقْت، كالسَّائل الَّذي تقلب رواسبه،
فتملأ كيانه؛ ولكنَّها إذا تُرِكت تترسَّب من جديد. 
 

وكذلك كان أسلوب ضرْب المثَل أحدَ الأساليب الإقناعيَّة
الَّتي استخْدَمها القُرآن الكريم والرَّسول -  - في بيان الحقائق التي يهتدي بها النَّاس،
وفي إقامة الحجَّة على مَن ضلَّ عن الهدَف الذي يَرمي إليْه القُرآن والسنَّة،
وهو تحقيق العبوديَّة لله وحده، وغير ذلك من أهْداف التَّربية الإسلاميَّة؛
كتربية العواطِف الربَّانيَّة بإثارة الانفِعالات المناسبة للمعنى من خِلال المثل المضْروب،
وتربية العقل على التَّفكير الصَّحيح، والقِياس المنطقي السَّليم. 

وقد كان رسولُ الله - - يستعين على توْضيح المواعظ
بضرْب المثل ممَّا يشاهِدُه النَّاس بأمِّ أعيُنِهم، ويقع تَحت حواسِّهم وفي متناول أيديهم؛
ليكون وَقْع الموْعِظة في النَّفس أشدَّ، وفي الذهن أرْسَخ،
ومن الأمثِلة على ذلك: ما رواه أنس بن مالك - رضِي الله عنْه -
قال: قال رسول الله -  -:
((مَثَل المؤمِن الَّذي يقرأ القُرآن كمثل الأُتْرُجَّة: ريحها طيِّب وطعْمُها طيِّب،
ومَثَل المؤمِن الَّذي لا يقرأ القُرآن كمثَل التَّمرة: طعمُها طيِّب ولا ريح لها،
ومثل الفاجر الَّذي يقرأ القُرآن كمثَل الرَّيحانة: ريحها طيِّب وطعمها مرٌّ،
ومثَل الفاجر الَّذي لا يقْرأ القُرآن كمثل الحنظلة: طعمُها مرٌّ ولا ريح لها. ((

ومِن الأحاديث - أيضًا - الَّتي استخدم فيها النَّبيُّ - -
أسلوب ضرْب الأمثال، وأسلوب إثارة الانتِباه، وطرْح السُّؤال على أصحابه؛
ليثير النَّشاط الذِّهْني، ويجذب انتباهَهم ويشوِّقهم لما سيقولُه لهم:
ما جاء عن أبِي هُريرة - رضِي الله عنْه -: أنَّه سمِع رسول الله  يقول:
((أرأيْتُم لو أنَّ نهرًا بباب أحَدِكم يغتسل منْه كلَّ يوم خَمس مرَّات، هل يبقى من درَنِه شيء؟))
قالوا: لا يبْقى من درَنِه شيء،
قال: ((فذلِك مثَل الصَّلوات الخَمس، يمحو الله بهنَّ الخطايا. ((
 
وترجِع أهمِّيَّة استِخْدام أسلوب ضرْب المثل في التَّربية إلى كوْنِه طابعًا خاصًّا،
سواءٌ في إصابة المعْنى بدقَّة، أم في إيجاز اللَّفظ مع فصاحتِه،
أم في أداء الغرَض الَّذي سيق من أجلِه الكلام، وهو أعظم من أسلوب التَّلْقين؛
لأنَّه يُثير في النَّفس العواطف والمشاعِر،
وعن طريق ذلك يُدفع الإنسان إلى الالتِزام بالمبادئ عمليًّا،
هذا إلى جانب أنَّه يُساعد على تصْوير المعاني، وتَجسيدِها في الذِّهْن،
وعن طريق ذلك يسهل الفهْم وإثبات المعاني في الذَّاكرة، واستِرْجاعها عند الحاجة. 

وقد استخدم رسولُ الله - - أُسْلوب القَصَص الهادف في التَّربية؛
لما للقصَّة المشتمِلة على العِظة والعبرة من تأثيرٍ بالغٍ في النُّفوس؛
لأنَّ النَّفس بطبيعتِها تنجذب إلى القصَّة، وتأخذ القصَّة بِمجامع القلوب،
فإذا أودعت فيها الحكمة والعِبرة كانت الغاية، والرَّسول - -
لا يَحكي القصص لمجرَّد أنَّه قصص للتَّسلية وتزْجية الأوْقات؛
ولكنَّه يقصُّ القصص من أجْل التَّربية، وترسيخ المعاني الإيمانيَّة، والأخلاق المرْضية.

وممَّا يُرْوى عنْه - - في ذلك: ما رُوِي عن أبِي هُريْرة - رضِي الله عنْه -:
أنَّه سمِع النَّبيَّ - - يقول:
((إنَّ ثلاثةً في بني إسرائيل: أبْرص وأقْرع وأعْمى، فأراد الله أن يبتلِيَهم،
فبعث إليْهم ملكًا، فأتى الأبْرص فقال: أيُّ شيء أحبُّ إليْك؟ قال: لون حَسَن،
وجِلْد حسن، ويذهب عني الَّذي قد قذرني النَّاس، قال: فمسحَه فذهب عنْه قذره،
وأُعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا، فقال: فأيُّ المال أحبُّ إليْك؟ قال: الإبل،
قال: فأُعْطِي ناقة عُشَرَاء، فقال: بارك الله لك فيها. 
فأتى الأقرع فقال: أيُّ شيء أحبّ إليْك؟ قال: شعر حسن،
ويذهب عنِّي هذا الَّذي قذرني النَّاس، قال: فمسحه فذَهَب عنه، وأُعْطي شعرًا حسنًا،
قال: فأيُّ المال أحبُّ إليك؟ قال: البقر، فأُعْطِي بقرة حاملاً، فقال: بارك الله لك فيها. 
قال: فأتى الأعْمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرُدَّ الله إليَّ بصري،
فأبصر به الناس، قال: فمسحه فردَّ الله إليْه بصره،
قال: فأيُّ المال أحب إليْك؟ قال: الغنم، فأُعْطِي شاة والدًا. 
فأنتج هذَانِ وولَّدَ هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم. 
قال: ثمَّ إنَّه أتى الأبْرص في صورته وهيْئته فقال: رجلٌ مسكين قد انقطعت بي الحِبال في سفري،
فلا بلاغ لي اليوم إلاَّ بالله ثمَّ بك،
أسألك - بالَّذي أعطاك اللَّون الحسن والجِلْد الحسن والمال - بعيرًا أتبلَّغ عليْه في سفري. 
فقال: الحقوق كثيرة، فقال له: كأنِّي أعرفك، ألَم تكُنْ أبْرص يقذرك النَّاس،
فقيرًا فأعْطاك الله؟ فقال: إنَّما ورثت هذا المال كابِرًا عن كابر،
فقال: إن كنتَ كاذِبا فصيَّرك الله إلى ما كنتَ.
قال: وأتى الأقْرع في صورته، فقال له مثلَ ما قال لهذا، وردَّ عليه مثل ما ردَّ على هذا،
فقال: إن كنتَ كاذِبًا فصيَّرك الله إلى ما كنتَ.
قال: وأتى الأعْمى في صورته وهيْئته، فقال: رجُل مسكين وابنُ سبيل،
انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغَ لي اليوم إلاَّ بالله ثمَّ بك،
أسألك - بالَّذي ردَّ عليْك بصرك - شاةً أتبلَّغ بها في سفري،
فقال: قد كنتُ أعْمى فردَّ الله إليَّ بصَري، فخُذْ ما شئت، ودَعْ ما شئت،
فوالله لا أجهدك اليوم شيئًا أخذته لله.فقال: أمْسِكْ مالك، فإنَّما ابتُليتُم، فقد رُضي عنك، وسُخِط على صاحبيك

فبهذِه القصَّة استطاع الرَّسول - - أن يغرِس في نفوس أصحابه
الكثير والكثير من القيم الإسلامية؛ كالصِّدْق، والكرم،
وشُكْر النِّعمة ... إلخ، بأُسلوبٍ كلُّه تشْويق وإثارة، وطرافة في الموْضوع، وبساطة في الأسلوب.ومن القصص المؤثِّرة والمقْنِعة الَّتي وردتْ في السنَّة أيضًا: قصَّة أصْحاب الغار،
وقصَّة اختِصام الملائكة فيمن قتَل مائةَ نفْسٍ،
ثمَّ توبته بعد ذلك، وغيرها كثير، ممَّا يجعل في عرْضها الفائدة الكبيرة
في إنْجاح العمليَّة التَّربوية وتأكيد فاعليتها؛ وذلك لاشتِمالها على الفوائد التَّالية:

1- التَّشويق، وجذْب الانتباه، وترْكيز الذِّهن، وإثارة المشاعر،
بِما يشدُّ السَّامع إلى مجْريات القصَّة؛ حتَّى يستجليَ أحداثَها ويعرف نتائجها.
2- 
تحفيز السَّامع أو القارئ إلى أخْذ العِبْرة من أبْطال القصَّة، واختيار السَّبيل المناسب.
3- دفع السَّامع أو القارئ إلى الاقتِداء بأبطال القصَّة في الأمور الخيِّرة، ونبذ ما سوى ذلك.4- إشْباع حبِّ الاطِّلاع لدى السَّامع أو القارئ؛
لمعْرِفة مواقف وفواصل وتداخُلات القصَّة حتَّى يصِل إلى عُقْدة الحل.
5- التَّركيز على "عمليَّة الإيحاء"، الَّتي تُعْتَبر من أهمِّ وسائل الإقْناع في التَّربية والتَّوجيه.
وكل هذا وغيْره يَجعل للقصَّة أهمِّيَّة بالغة، تتمثَّل في تأْثيرها النَّفسي الكبير عند المتعلِّم،
وهو ما يدفعه تلقائيًّا إلى تعْديل سلوكه وتغْيير ميوله
وقد أكَّدت الدِّراسات الحديثة: أنَّ القصَّة مصْدر هامٌّ من مصادِر المعْرِفة،
الَّتي يستمدُّ منها الطِّفْل إحساسَه بذاتِه بين البشر،
ويستطيع من خِلالِها أن يسيْطِر على العالم من حولِه بما يملكُه من معارف،
ومن خِلال القصَّة يستطيع الطِّفل أن يجِد الإجابة عن العديد من تساؤُلاته،
ويحلَّ كثيرًا من الألْغاز الوجوديَّة التي يُجابِهها،
ويجد الحلول لكثيرٍ من المشْكِلات الَّتي يصادِفُها انفعاليًّا،
"بتقديم النَّماذج الإيجابيَّة من أبطال هذه القصَص التي يتعاطف معها الطفل،
ويعرف مِن خلالِها كيف يحلُّ أزماته الانفعاليَّة،
ويكون قادرًا على السَّيْطرة على عالمه الدَّاخلي،
كما تشكِّل القصَّة ركنًا هامًّا من أرْكان تحديد الهُوِيَّة الاجتِماعيَّة للطِّفْل،
وانتِمائه الثَّقافي من خلال موضوعاتِها ورموزها،
المرتبطة بالواقع والمجتمع المحيط بالطفل من جهة،
والمرتبطة بالثَّقافة العامَّة للمجتمع من جهة أخرى". 
وفي هذا كلِّه ما يؤكِّد على الأهميَّة التَّربويَّة لأسلوب القَصِّ؛
فعلى المربِّين أن يُكثروا من رواية القِصص والحكايات التي تزوِّد صغارهم بالخبرات،
وتكون متضمِّنة ذكر الله - تعالى - وقدرته،
ويفضَّل أن تُرْوَى للصَّغير القصص التي يكون فيها الحيوانات والطُّيور؛
لأنَّه يحبُّها، ولأنَّها توسِّع خياله وتَجعله يحب القصص والحكايات.ويجب أن يخصَّص وقت من النَّهار (قبل النوم مثلاً)، وفي نهاية الأسبوع، وفي الرحلات؛
وذلك لسرْد القصص التي يستمدُّ منها الطِّفْل خبرات الآخرين،
وتزْرع في نفسِه القِيَم وحبَّ الخير، وتُتِيح له فُرْصة الحوار مع والدَيْه أو أحدهما؛
لتفسير المواقف الَّتي مرَّ بها.
وتُرْوى له حكاية الإنسان على الأرْض
(قصَّة سيِّدنا آدم - عليه السلام(
ويوضَّح له أنَّ عدو الإنسان على هذه الأرْض هو الشَّيطان الذي يأمُر بالشَّرِّ،
وأنَّ الإنسان يجب أن يعْمَل الخير، ويعبد الله؛ حتَّى يرجع إلى الجنَّة.وتُرْوى له قصص الأنبِياء، ويُحَبَّب إليْه الأنبياء والصالحون،
وتُرْوى له حكايات عن النَّبيِّ - - توضِّح صفاتِه وأخلاقَه،
ممَّا يحبِّب إليْه الرَّسول - 




وفاء احمد


المرسل الاستاذ عبدالوهاب عقل

Comments