تحديد أهــدافك - كيف تصبح شخصية فعالة ؟

حديد أهــدافك - كيف تصبح شخصية فعالة ؟
   [[يصبح للحياة معنى فقط عندما يحياها الإنسان يومًا بعد يوم من أجل  شيء آخر بخلاف الحياة نفسها]]
 أنطوان دي سانت أكسيبري
لعلك الآن قد تخلصت من تلك القيود التي تحول بينك وبين تحديد هدفك، وكلك رغبة في جني هذه الثمرات الزكية التي يحوزها من يوفقه الله تعالى إلى التحديد الصحيح لأهدافه في الحياة، وحان الوقت الآن لتعلم ماذا نقصد تحديدًا بعملية وضع الأهداف؟
 إن هذا التغيير الذي وعدناك بإحداثه في حياتك، وهذه الثمرات اليانعة التي رغبناك في السعي لنيلها بتحديد أهدافك، لا يتحقق كل منهما بمجرد وضع بعض الأهداف الجزئية لجوانب حياتك المختلفة، وليس هذا ما نعنيه من تلك العملية.
وإنما نعني بعملية وضع أهداف الحياة أن نضع تصورًا كليًا شاملاً لجميع جوانب حياتك في تكامل وتناسق، وكأننا نرسم لوحة فنية رائعة متناسقة الألوان، أو كأننا نكتب 'سيناريو' محكمًا لقصة سعيدة.
 إن هذا وحده هو الكفيل بتحقيق تلك الوعود البراقة التي وعدناك بها، إن أنت تفاعلت معنا وطبقت ما في هذه الأسطر ، ولكي نتمكن من رسم تلك اللوحة أو كتابة ذاك السيناريو فلابد أن نقوم معًا بصياغة ثلاثة أجزاء تقوم عليها فاعلية الإنسان ونجاحه في الحياة:
[1] الرسالة            [2] الرؤية      [3] الأهداف
 فما هو الفرق بين هذه الكلمات الثلاث؟ وما هي العلاقة بينها؟ وكيف تتكامل سويًا لتصنع سيناريو حياتك لتملأه بالإنجاز والفاعلية؟
 ما هي الرسالة؟
هي المهمة الكبرى أو الدور الأكبر الذي يعيش الإنسان من أجل تحقيقه في الحياة، أو في كلمة واحدة: [الرسالة = الحلم الحقيقي].
فالرسالة هي غاية الفرد والمجال الذي سيتميز فيه والجمهور الذي سيعامله.
ما هي الرؤية؟
هي أقصى صورة واقعية يمكن من خلالها تحقيق الرسالة على أكمل وجه، أو في كلمة واحدة: [الرؤية = الطموح].
فالرؤية صورة يرسمها المرء لنفسه بعد عشر سنوات مثلاً.
والجدول الآتي يوضح الفرق بين كل من الرؤية والرسالة:
الرسالة
الرؤية
مقصد  وهدف تصل إليه. مثال: 'رؤيتي أن أكون مديرًا'
غير محددة بهدف. مثال: 'رسالتي أن أعلم الناس'
شيء محدد ويجب أن ينتهي، فبعد أن تكون مديرًا تكون قد أنهيت مهمتك.
شيء لا ينتهي، فأنت تعلم الناس حياتك كلها
نتيجة تقاس وتحسب
اتجاه ليس له حسبة
وسيلة
غاية
كمية
نوعية
 ما هي الأهداف؟
هي النتائج الواقعية التي يريد الإنسان تحقيقها.
     وهي تشمل ثلاثة أنواع من الأهداف:
[1] أهداف قصيرة الأجل:
وهي الأهداف التي يحققها الإنسان في فترة قصيرة تتراوح في الغالب من يوم إلى سنة؛ ومثالها: الحصول على دورة تدريبية لمدة شهر في برنامج Windows xp.
[2] أهداف متوسطة الأجل:
وهي الأهداف التي يحققها الإنسان في فترة متوسطة تتراوح في الغالب من سنة إلى خمس سنوات؛ ومثالها: الحصول على 'دبلومة' في إدارة الأعمال.
[3] أهداف طويلة الأجل أو استراتيجية:
وهي الأهداف التي يحققها الإنسان في فترة طويلة تتراوح في الغالب من خمس سنوات إلى خمس وعشرين سنة أو أكثر؛ ومثالها: الحصول على درجة الدكتوراه في علوم القرآن.
وتطلق كلمة الرؤية غالبًا على الأهداف طويلة الأجل، وقد تشمل أيضًا بقية أنواع الأهداف.
 التكامل بين الرسالة والرؤية
 فالسعادة نتاج الرسالة النبيلة، والنجاح نتاج الرؤية الصحيحة.
 والسر في هذا أن سبب السعادة إنما يكمن في إحساس الإنسان أنه يعيش من أجل هدف سامٍ وغاية نبيلة، ولذلك فالمؤمن هو أسعد الناس قلبًا في الدنيا والآخرة، إذ إنه يعيش من أجل أعظم غاية يمكن أن يحيا من أجلها البشر ألا وهي تحقيق عبودية الله تعالى في الأرض.
قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [125] سورة النساء
وقال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [123] سورة طـه
وقال أيضًا: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [28] سورة الرعد
وقال سبحانه:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [97] سورة النحل
ويصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المعنى فيقول: [[ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا]]
بل وحتى عقلاء الغرب توصلوا إلى هذه الحقيقة، فها هو جون ماسون براون يقول: [السعادة الحقيقية الوحيدة هي أن نفني أنفسنا من أجل تحقيق غاية عظيمة في الحياة]
ومثله العالمة المشهورة هيلين كيلر حين تقول: [كثيرون لديهم فكرة خاطئة عن الشيء الذي يشكل السعادة الحقيقية، إن السعادة لا تتحقق عن طريق إمتاع المرء لذاته أو إشباعه لرغباته، وإنما عن طريق إخلاصه لهدف قيم]
فهذا إذن هو سر ارتباط السعادة بالرسالة.
 وأما ارتباط الرؤية بالنجاح فلأن هذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه؛ أنه لا إنجاز ولا نجاح بدون تخطيط وأخذ بالأسباب، وهذا يجري على جميع الأمور والإنجازات صغيرها وكبيرها لأنها سنة الله الجارية التي يتحقق من خلالها قدر الله في الأرض.
فصاحب الأرض الزراعية على سبيل المثال لابد لكي ينجح في الحصول على إنتاج زراعي جيد من أرضه، أن تكون لديه رؤية واضحة لزراعة الأرض، كيف يزرعها؟ كيف ينزع الحشائش الضارة أولاً، ثم يحرث الأرض، ثم يبذر البذور ويتعاهدها بالرعاية والسقي، وكيف يمدها بالسماد والمبيدات الحشرية حتى يقيها شر الآفات؟ وكم ينتظر حتى يحصد المحصول؟ فإن حدث خلل في هذه الرؤية فإنه لابد أن يفشل، وقس على ذلك في جميع أمور الحياة.
 إذن فلكي تعيش سعيدًا وناجحًا في هذه الدنيا ثم تواصل السعادة والنجاح في الآخرة فلابد أن تملك رسالة سامية تعيش من أجلها ورؤية واضحة تحقق من خلالها هذه الرسالة، ولابد أن تشتمل هذه الرؤية على أهدافك التفصيلية سواء أكانت طويلة الأجل أم متوسطة الأجل أم قصيرة الأجل.
النبي صلى الله عليه وسلم وتكامل الرسالة والرؤية.
 وباستقراء الكتاب والسنة، واستعراض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم  نستطيع أن نتبين ذلك التكامل الفذ بين الرسالة السامية والرؤية الواضحة.
  الرسالة:
ذكرها الله تبارك وتعالى في آيات كثيرة:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [107] سورة الأنبياء
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [108] سورة يوسف
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكََ} [67] سورة المائدة
ثم هو نفسه صلى الله عليه وسلم يترجم لنا جانبًا هامًا ومعلمًا أصيلاً من معالم هذه الرسالة فيقول: [[إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق]]
 الرؤية:
تمثلت رؤيته صلى الله عليه وسلم  في الهدف الاستراتيجي البعيد، ألا وهو إقامة دولة المسلمين في شبه الجزيرة العربية لتكون منطلقًا بعد ذلك لنشر الإسلام في الأرض كلها، وفي أقل من خمس وعشرين سنة تحقق الهدف الأساسي الأهم في هذه الرؤية ألا وهو فتح مكة المكرمة، إذ بعدها دخل الناس في دين الله أفواجًا، ودانت الجزيرة العربية كلها لراية الإسلام.
 الأهداف:
ويمكننا من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم  أن نحدد تفاصيل هذه الرؤية في الأهداف المرحلية الآتية:
[1] إقامة القاعدة الصلبة للدولة المسلمة: وذلك بتربية جيل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم تتمثل فيه الفكرة الإسلامية تمثلاً كاملاً، بحيث يتحول المنهج الإسلامي إلى نفوس حية تكون نماذج فذة لهذا الدين، وقد استغرق تحقيق هذا الهدف المرحلي الفترة المكية بكاملها، خلال ثلاث عشرة سنة.
[2]توسيع القاعدة وإقامة المجتمع المسلم: وذلك بتحول الجماعة المؤمنة التي كانت تمثل القاعدة الصلبة إلى مجتمع صغير وذلك بإقامة دول الإسلام الناشئة في المدينة، وانضمام عدد كبير من الصحابة إلى القاعدة السابقة، فكان أن أسلم أهل المدينة وسموا بالأنصار، واستغرق تحقيق هذا الهدف 9 أو 10 سنوات بدءًا من هجرة النبي e وحتى فتح مكة.
[3]توسيع الدولة المسلمة وبداية تكوين دولة شبه الجزيرة العربية: وقد كان هذا بحمد الله وتوفيقه بعد أن فتح الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام مكة المكرمة سنة 10 هـ، ودخل بعدها الناس في دين الله أفواجًا.  
قال تعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [1] وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا[2] فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا[3]}  سورة النصر
إلى أن وافاه صلى الله عليه وسلم الأجل بعد أن أتم الله عليه النعمة وتحققت رؤيته، وبلغت رسالته تمامها ، فعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فانظر إلى ذلك التكامل العجيب بين سمو الرسالة ووضوح الرؤية، فلا عجب إذن أن تتحقق على يد الرسول صلى الله عليه وسلم  وصحبه الكرام هذه المعجزة التي لم تشهد لها البشرية مثيلاً من قبل، فما عرف التاريخ دولة بهذا الحجم، وتلك القوة أقيمت في أقل من ربع قرن، ثم كان لها ذلك التأثير المتفرد على خريطة الكرة الأرضية بكاملها، والذي ما زالت آثاره باقية إلى الآن، ولذلك لم يملك الكاتب الأمريكي مايكل هارت إلا أن يضع محمدًا صلى الله عليه وسلم  على رأس أعظم الشخصيات تأثيرًا في العالم، في كتابه الذي سماه [المائة شخصية الأكثر تأثيرًا في العالم]

Comments