تحصين الأولاد ضد الغزو الفكري، وبيان أهم مبادئ الإسلام في ذلك

Marian Zidaru - Google+

تحصين الأولاد ضد الغزو الفكري، وبيان أهم مبادئ الإسلام في ذلك


نعيش عصرًا تتماوَج فيه الاتجاهات الفكرية وتتبايَن، ويَشهد جيلنا اصطراعًا فكريًّا، يأخذ مدًى بعيدًا في توجيه الشباب والناشئة، وجهات شتَّى تنأَى به عن الجادة التي هدَى إليها دينُنا القويم، بل إن الساحة الإسلامية يَحتدم فيها النزاع، وتَشتد فيها المنافسة بين القنوات الإعلامية المتعددة - مقروءة، ومسموعة، ومرئية - وتَحمل الغَثَّ والسمين مما هو مبثوث من داخل المجتمعات الإسلامية، أو ما يَفِد إليها من مجتمعاتٍ شتَّى، وهذا ما يؤكد ما ذهب إليه المختصون في دراسة الغزو الفكري، من أن (الفكر والثقافة والأيديولوجيات)، هي محور الصراع الذي تُخطِّط له القوى العالمية الغازية، التي تهدف - فيما تَهدف إليه - إلى العمل الدائب على (تحويل) التوجه الفكري الثقافي لدى شباب المسلمين إلى الوجهات العَلْمانية والمادية، التي تسود الفكر العالمي بعيدًا عن مُعطيات الإسلام؛ كي ينشأ الشباب الإسلامي مَبتوتَ الصِّلة بدينه القويم، مَفتونًا بحضارة الغرب وعوائدها، مُشرَبًا بالرُّوح المادية، مُتطلِّعًا إليها، وأن يظَلَّ على هذا الحال لا يَملِك الفكاك منه، ولا الحَيد عنه!

وعلى هذا، فإن حماية الناشئة وصيانتهم من آفات هذا المد الإعلامي الثقافي وأوضاره وخُبثه - مسؤولية على كاهل الأبوين، ثم رجال التربية بالمقام الأول.

ولقد أخذ الغزو الثقافي امتدادًا عميقًا في أوساط الشباب، وأحدث شروخًا كثيرة في بُنيان المجتمع الإسلامي، الأمر الذي يعطي دَلالات على تقصير الكثير من الآباء والتربويين في النهوض بواجباتهم ومسؤولياتهم التربوية نحو الأولاد، أو أن جهودهم لم تكنْ في المستوى المواكب المكافئ للغزو الفكري المُقنَّن.

ولنَختر - اختصارًا - ثلاثة أخطار هي في بُؤرة الغزو الثقافي الذي يعاني من أوضاره عامةُ الأولاد في البلاد الإسلامية، ويتحتَّم على الآباء إدراكُ أبعادها، والعملُ على تحصين الشباب منها، ووقايتهم:
خطر المخدِّرات، والبطالة، والافتتان بحضارة الغرب.
 أما المخدِّرات، فسمومٌ حرَّمها ديننا الحنيفُ على اختلاف أنواعها، وصُور تعاطيها، ودرجات تأثيرها؛ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلُّ شراب أسكرَ، فهو حرام))[1]، ولئن كان المسكِر حرامًا، فكيف بما هو أعظم منه تأثيرًا وأخطر عاقبةً، وفي حديث أمِّ سلَمة - رضي الله عنها - قالت: "نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل مُسكرٍ ومُفتر"[2]، وفي تحريم مقداره - أيًّا كان - حديث عمرو بن شُعيب - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((ما أسكرَ كثيرُه، فقليله حرام))[3].

وعلى الآباء أن يُدركوا مدى خطورة المخدِّرات التي يحرص أعداء الإسلام على تدمير شباب المسلمين بها؛ إذ تُدمِّر في متعاطيها الإرادةَ، وتقتُل فيه العزيمة، وتَستنزف منه الأموال، وتُحيله إلى كائنٍ كَلٍّ، لا أهليَّةَ له في القيام بشيءٍ.

ودور الآباء في هذا يتناول الوقاية والعلاج، أما الوقاية، فبتبصير الشباب بهذه السموم والآفات المُهلكة، وبملء أوقاتهم بكلِّ مفيد نافعٍ، وبتعليمهم أمورَ الدين، فما من شيءٍ يُحفِّز المرء - فيَقيه الآفات - مثل قوة الدِّيانة، وأما العلاج، فبتخليصهم منها إن تورَّطوا فيها، وبالتعاون مع الجهات الأمنيَّة المَعْنيَّة بمكافحة المخدِّرات.

وقد وفَّق اللهُ وُلاة الأمور في المملكة، فنفَّذوا حُكم الله - تعالى - في مُهربي ومُروِّجي السموم، بقتْلهم تعزيرًا، وبلادنا على هذا من أقل البلاد التي تَشكو من داء المخدرات، ولله الحمد، ودور الأبوين في تجنيب الأولاد هذه السموم، دورٌ غير يسيرٍ؛ لاضطلاعهما بالمسؤوليات التربوية منذ سنٍّ مبكرة، ولقيامهما بتلك المسؤوليات برغبة تَدفعها الفطرة والجِبِلَّة، وبباعث الدِّيانة والأمانة، وهذا ما لا يتوفر في غير الوالدين المسلمين.

 أما البطالة، فهي في مفهومها العام: الفراغ مما يملأ الوقت، ويُشبع الرغبات والميول، ولقد أعطى الإسلام الإنسانَ مُقومات الحياة، وحضَّه على استغلال خيرات الأرض، والنهوض بعمارتها والضَّرب في مناكبها، وأن يَعمُر أوقاته بذِكر الله وعبادته، فيعمل لدنياه كأنه يعيش أبدًا، ويعمل لغده كأنه يموت غدًا؛ قال - تعالى -: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

وعلى الآباء - كما سبَق بيانه - تعليم الأولاد أمورَ الدين وأحكام العبادات، لا سيما الفروض، وكذلك تعريفهم بأمور المعاش بتدريبهم على مهنة أو صَنعة، مع توفير سُبل الترفيه والترويح في الإطار المشروع، وبالقدر الضروري المعتدل؛ كيلا يقعوا فريسةَ البطالة والفراغ بكل أنواعه: الفراغ العاطفي، والفراغ الثقافي، والفراغ الرُّوحي، والفراغ النفسي، فإن الفراغ يَجلِب الهمَّ والغمَّ، ويُورث الإنسان الكسلَ والعجز والتواكُل، ويُورِّطه في بلاء قد يطول شرُّه، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول - كما في حديث أبي طلحة رضي الله عنه -: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، والعجز والكسل، والجبن والبُخل، وضَلَع الدَّين، وغلَبة الرجال))[4].

ولنا فيه أُسوة حسنة بالأخذ بهذا الدعاء المسنون، وبالعمل على تجنُّب الأولاد داءَ البطالة من كلِّ طريقٍ مشروع يقدر عليه.

ومَن تدبَّر توجيهات الدين الحنيف في أهمية ملء الفراغ، وبأهمية إقامة الموازنة في ذلك - وجَده أتَمَّ نظامٍ وأحَكم بيانٍ؛ فلقد ذمَّ الذين لا يعرفون من الحياة إلا المُتَع والشهوات، فيعيشون لها ومن أجْلها؛ قال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [محمد: 12].

وذمَّ الذين لا نصيبَ لهم في عبادة الله، والتذلُّل له، فأرواحهم خاوية وقلوبهم مَيتة؛ قال - تعالى -: ﴿ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 42]، وقال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأحقاف: 3].

وذمَّ الذين يُؤثِرون الفانية على الباقية، ويَرغبون عن النهج الراشد؛ فقال - تعالى -: ﴿ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 2 - 3].

وحذَّر من تلقُّف الأفكار والثقافات الضالة المُضِلة، التي تَعبَث بعقل الإنسان وتُرديه؛ قال - تعالى -: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

فكل ما سوى الصراط المستقيم، فهو ضلال وغي، يُردي بمن اعتقده في النار، وكل نظرية أو عقيدة أو مِلة سوى دين الإسلام، فهي ضلالٌ.

ولعل من أخطر العوامل التي تُسهم في اعتناق الأفكار الوافدة والنظريات الهدَّامة، الفراغ النفسي والخَواء الرُّوحي، وكذلك الفراغ الوقتي الذي يعاني منه الشباب، وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصحة والفراغ))[5].

 أما الافتتان بحضارة الغرب، وهو الافتتان بالثقافات المعادية للإسلام، فهذا خطر ماحقٌ، ليس ينجو من ويلاته وآثاره وتَبعاته إلا من رحِم الله، وتبعاته تمتد لأجيالٍ، وقد لا يتيسَّر الخلاصُ منها حتى على المدى البعيد!

ومن العوامل المساعدة على الوقوع فيه: الفراغ الثقافي الذي عاشه الكثيرُ من شباب المسلمين في البلاد التي بُلِيت بالاستعمار الغربي في القرن الميلادي الماضي، وأوائل القرن الحالي، حاشا الجزيرة العربية التي حماها الله - بمَنِّه وفضْله، وخَفِيِّ لُطفه - من دَنَس الاستعمار وكيده وخُبثه!

ولئن رحَل الاستعمار العسكري بعد أن استيقَظت في الدول نوازعُ التحرُّر، وصار ذلك توجُّهًا عالميًّا، فإن الغزو الثقافي - وهو الأخطر أثرًا - طفِق يمتد إلى عقول وقلوب الكثير من أولاد المسلمين، حتى تكوَّنت منهم جحافلُ تُناوئ مَن يَكشف زَيْف هذا الغزو الثقافي، فإذا هي تُلاحي عنه، وتعمل جاهدةً على إرساء دعائمه في المجتمعات الإسلامية، عبر مظاهره المتعددة المُتغلغلة في تِلْكُم المجتمعات؛ كالعلمانية، وغيرها معروفٌ مشهود.

وعليه، فإن من واجبات الآباء ومسؤوليَّاتهم التربوية:
 إدراك هذه الأخطار الثقافية، وآثار تِلكم القنوات الإعلامية التي تعمل ليلَ نهارَ لإفساد نزعة التديُّن في الناشئة، وإلهائهم بالشهوات والغرائز عن معالي الأمور.

 العمل الجاد المُثمر في توعية الأولاد وتبصيرهم بأعدائهم، وما يَكيدونهم به، وما يُعِدُّونه من خُطط وأساليبَ، وفي الوقت نفسه تبصير الناشئة بأمور دينهم على مختلف مراحل العمر؛ لتقوم بذلك الحصانة الكافية واللازمة لوقاية الأولاد وفِلذات الأكباد من الخطر الثقافي الداهم، الذي سيَشهد تناميًا مضطردًا على مَرِّ الأيام، على ما هو مُعلن من خلال مؤتمرات القوى المُعادية[6].

وهذا من آكدِ الواجبات والأمانات المُلقاة على عواتق الآباء؛ عملاً بقول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

ولعل من أنجع الحلول لتحصين الشباب ضد الغزو الفكري - بعد تعليمهم مُعطيات الدين الحنيف، وتربيتهم على مَعين القرآن العظيم والسُّنة النبوية الشريفة - تحصينَهم بالتزويج المبكر، فإن التزويج - كما في كتاب الله تعالى - واجبٌ شرعي، لا يتكاسل عنه إلا فاجر أو عاجزٌ؛ قال - تعالى -: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32].

فإن في النكاح - عدا الإعفاف - من الفوائد ما لا يُحصى؛ كملء الفراغ على الكدِّ والكسْب، ونبْذ البطالة، وتحصيل الأجر في السعي على الزوجة والأولاد وتربيتهم.

والله يَحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد.

هذا ومن القواعد والثوابت التي هي بمثابة المحاور العقَدية لإيجاد خطة الحصانة لأولادنا - ذكورًا وإناثًا - ما ذكَر الله تعالى في محكم التنزيل وبيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سُنته المطهرة، ومن ذلك:
 أن القوى المعادية للإسلام والمسلمين ما تَوَد أن يكون للمسلمين خيرٌ قطُّ؛ فهم يعملون للكيد لهم، وإلحاق الأذى بهم بأي طريق يَقدرون عليه؛ قال - تعالى -: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105].

قال ابن كثير: يُبين - تعالى - شدَّة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، الذين حذَّر الله - تعالى - المؤمنين من مشابهتهم؛ ليقطَعَ المودة بينهم وبينهم"[7].

- أن أعداء الإسلام يعملون ليَصرفوا المسلمين عن دينهم القويم بشتَّى الوسائل والأساليب؛ قال - تعالى -: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109].

وليس المقصود بأهل الكتاب: كعب بن الأشرف، أو حُيي بن أخْطَب، أو غيرهما من أحبار اليهود فحسب، وإنما الآية عامة في كلِّ مَن كان على شاكلتهم؛ كما يقول ابن جرير الطبري[8].

 أنهم لا يَقَرُّ لهم قرار؛ حتى يصيرَ المسلمون على نهْج الكافرين وطريقتهم، بترْك الإسلام - والعياذ بالله - والصيرورة إلى الإلحاد والكفر؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120].

فالهدى إنما هو الإسلام، فلماذا ينساق بعض المسلمين إلى أهواء الكافرين، والمعنى كما يقول صاحب الكشاف: إن هدى الله الذي هو الإسلام هو الهدى بالحقِّ، والذي يَصِح أن يُسمى هدًى، وهو الهدى كله ليس وراءه هدًى، وما تدعون إلى اتِّباعه ما هو بهدًى، إنما هو هوًى[9].

وهذا أمر معلومٌ، ليس يَجهله مسلم راشدٌ، وإنما هي المُفاصلة؛ فالمِلل متباينة، ومِلة الإسلام هي الحق الذي لا ريبَ فيه، ومن رغِب عنه، خرَج عن الجادة، وخسِر خسرانًا مُبينًا.

 أن اقتفاء أثَر الكفر والإلحاد، واعتناق نظريَّاتهم المناوئة للإسلام، والإعجاب بما عندهم - من أفكار ومبادئ دينهم - خروج عن منهج المسلمين، وقد يصير المسلمون بذلك من الكافرين؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100]، وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149 - 150].

فلا مُوالاة بين المسلمين والكافرين مهما كانت البواعث والدوافع، ولا طاعةَ لكافر؛ فإنه يُردي المسلم في الهاوية، ويَصُده عن سواء السبيل بكلِّ طريقٍ يَقدر عليه؛ ببَثِّ الفتن تارة، وبالتشكيك في الإسلام تارَة، وبإثارة الغرائز وتوجيهها نحو الشر والإفساد تارة، والله من ورائهم مُحيط.

- أن الركون إلى الكفار والاغترار والاعتزاز بهم، والأخذ من مبادئهم - من سمات المنافقين، ومصير مَن يفعل ذلك النارُ والعياذ بالله؛ قال - تعالى -: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 138 - 139]، وقال: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113].

أي: فإنكم إذا مِلتُم إليهم، ووافَقْتُموهم على ظُلمهم، أو رضِيتُم ما هم عليه من الظلم - مسَّتْكم النار، وفي الآية تحذيرٌ من الركون إلى كلِّ ظالمٍ، والمراد بالركون: الميل والانضمام إليه على ظُلمه، وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم[10].

 إن من المسلمين مَن يتَّبع الكافرين في عوائدهم ورسومهم وأفكارهم، بل وعقائدهم؛ كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنن مَن كان قبلكم؛ شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحر ضَبٍّ لَتَبِعْتُموهم))، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَن؟))؛ رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه[11].

وما أشدَّ الافتتانَ باليهود والنصارى في رسومهم وأزيائهم وعوائدهم ونظريَّاتهم، بل ومعتقداتهم، وإن هذا لمن الجهل والسَّفه! وإن دَرءَ ذلك لمن مسؤوليات المسلمين جميعًا من الأُمراء والعلماء، كل بحسَب مكانته ومَقدرته، ويَضطلع الأبوان من ذلك بالسهم الأوفر لولايتهم المباشرة على مَن تحت أيديهم من الوِلْدانِ والأغرار، الذين هم في مَسيس الحاجة إلى الكلمة الليِّنة الواعية، والأسلوب المُسترشد بنور القرآن، المُستنير بهدْي خير الأنام، والله - عز وجل - سائلٌ كل مسلمٍ عما استرعاه عليه.


[1] متفق عليه؛ رواه البخاري في كتاب الوضوء، حديث (242)، ومسلم في كتاب الأشربة، حديث رقم (2001).
[2] رواه أبو داود في كتاب الأشربة، حديث (3686)، وأحمد في مسند الأنصار، حديث (25416).
[3] رواه النسائي في كتاب الأشربة، حديث (5607)، وابن ماجه في كتاب الأشربة، حديث (3394)، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، حديث (6271).
[4] رواه البخاري في كتاب الدعوات، حديث رقم (6363)، وأبو داود في كتاب الصلاة، حديث (1541)، والترمذي في كتاب الدعوات، حديث (3406)، والنسائي في كتاب الاستعاذة، حديث (5453).
[5] رواه البخاري في كتاب الرقاق، حديث (6412)، والترمذي في كتاب الزهد، حديث (2304)، وابن ماجه في كتاب الزهد، حديث رقم (4170).
[6] ومن أخطرها: مؤتمر كلورادو بالولايات المتحدة سنة 1415هـ، انظر: كتاب (التنصير)، وهو خلاصة لأعمال ذلك المؤتمر التبشيري.
[7] تفسير ابن كثير (1/ 159).
[8] انظر: تفسير الطبري (2/ 50).
[9] الكشاف؛ للزمخشري (1/ 308).
[10] تيسير الكريم الرحمن (3/ 219)، بتصرُّف طفيف.
[11] متفق عليه؛ رواه البخاري في كتاب الاعتصام، حديث (7320)، ومسلم في كتاب العلم، حديث (2669).


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/53319/#ixzz4H5v6z51i