من الأهمية التركيز على التربية الإقتصادية وهي تساعد الشاب على معرفة معنى المال الحلال والحرام وكيف يدير مشترياته و مصروفه

تعريف التربية الاقتصادية في الإسلام


"تشكيل السلوك الاقتصادي للمسلم المنبثق من تكوينه الشخصي: إيمانيًّا، وخلقيًّا، ونفسيًّا، وثقافياً، وفنياً ومن خلال تزويده بالثقافة الفكرية وبالخبرات العلمية الاقتصادية وبما يتفق مع مقاصد الشريعة، لتحقيق الحياة الرغدة الكريمة لتُعينه على عمارة الأرض وعبادة الله عز وجل"[1].

وبالنظر إلى تعريف التربية الاقتصادية ومقارنتها مع تعريف التربية الإسلامية، نجد بأن التربية الاقتصادية في الإسلام ما هي إلا غصنٌ نضرٌ في جذع شجرة وارفة، والتربية الإسلامية أصل، والتربية الاقتصادية فرع، والتربية الإسلامية كلّ، والتربية الاقتصادية جزء، ولا يمكن الحصول على الكلّ إلاّ من خلال اتحاد الأجزاء، وهذه هي صفة التربية الإسلامية كليّةٌ شاملة، ومكونة من أجزاء لا تنفصل وحدتها، متماسكة الأطراف، متثقة العُرى، غنية المضمون، سهلة التطبيق، واضحة المعالم. حيث يندرج تحت تعريف التربية الإسلامية: التربية الإيمانية، والخلقية، والجسمية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية، والجنسية، والاقتصادية. ولاتقل التربية الاقتصادية الإسلامية للمسلم عن جوانب التربية الأخرى حتى تكون سلوكاً في المعاملات متفقة مع الإسلام كدين شامل ومنهج حياة ولكن هل يمكن فصل إي نوع من أنواع التربية عن الأخرى؟ بالطبع لا؛ لأنها جميعها قبسات نور من مشكاة واحدة، أضاءها نور الأنوار الله عز وجل، وأرسل هادي الأخيار محمداً صلى الله عليه وسلم ليُربي الناس على الخير والحق والفضيلة، ويُزكّي نفوسهم، وهو صلى الله عليه وسلم قدوة للناس أجمعين في تربيته، وسلوكه، وخلقه. ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28].

" تعتبر التربية الاقتصادية جزءاً من منظومة التربية الإسلامية، لا ينفصم عنها طبقاً للفهم الصحيح للإسلام الذي يشمل كل نواحي الحياة (شمولية الإسلام)، وهذا عكس الفهم العلماني الذي يفصل الدين عن الاقتصاد. فالتربية الشاملة للمسلم تبدأ من تكوين شخصيته الإسلامية عقيدة وشريعة، ومشاعر وشرائع، ووجدان، وموضوعية، ويتخذ من الدين سنداً له في كافة معاملاته ومنها الاقتصادية، وينجم عن هذا السلوك الاقتصادي السليم المنضبط بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

فإذا استقر الإيمان في القلب فإنه يقود الإنسان إلى الالتزام بالحلال الطيب وتفاعلت النفس معه، وكان من ثمرة ذلك انقياد الجوارح لتسلك السلوك السليم لتحقيق ما اطمأن إليه القلب، فالتربية موجهه أولا إلى القلوب والنفوس ثم إلى الجوارح، ومن حصادها السلوك الاقتصادي الإسلامي وتأسيساً على ما سبق لا يمكن الفصل بين التربية الإسلامية والتربية الاقتصادية والسلوك الاقتصادي الرشيد "[2].

" ويسعى كل مجتمع إلى تبنى نموذج مثالي  Prototype للشخصية المعيارية التي يجب أن يكون عليها غالبية أو كل أفراده، إن استطاع إلى ذلك سبيلا، بحيث تصبح هذه الشخصية، بلغة علماء الإحصاء هي الشخصية المتوالية أي الأكثر شيوعا فيه، وهو ما يُعَد، حينئذ، مؤشرا على نجاحه.

ومن المفترض إن تنجز هذه المهمة من خلال عملية يطلق عليها علماء النفس الاجتماعي التنشئة الاجتماعية Socialization ومن المتوقع في حالتنا كأمة إسلامية إن يشكل الإسلام الملامح الرئيسية لهذا النموذج المثالي، ومع اعترافنا بأنه ثمة بعض الفروق الثقافية غير الجوهرية عبر المرونة المعروفة للحضارة الإسلامية، والتي جسدها، فيما سبق، مدى تفهمها، وتقبلها بل، للاختلاف مجتمعاتها في هذا النموذج، والناتجة عن جوانب التفرد في كل ثقافة فرعية فيها إلا أنها فروق تسعها بين المجتهدين)[3].

والباحثة تُعرف التربية الاقتصادية الإسلامية بأنها:
السلوك المادي، اليومي للإنسان المسلم في إدارة إمكاناته وموارده المادية، والتعامل مع الجوانب الاقتصادية في حياته بكفاءة. من خلال مفاهيمه وقيمه الإيمانية والخلقية والنفسية، والعملية المُكتسبة، بما يتفق مع مقاصد وأهداف التشريع الإسلامي، وينضبط بمنهج السلوك الرباني النبوي المعتدل شكلاً ومضموناً بما يعود بالنفع على المجتمع والفرد.

إذاً نحن الآن أمام إنسان اقتصادي، فمن هو الإنسان الاقتصادي؟
" يرى بعض الاقتصاديين أمثال، آدم سميث، وديفيد هوم، وديفيد ريكاردو.. إن الإنسان الاقتصادي هو: الإنسان الذي تحركه العوامل الاقتصادية وحدها، وتملي عليه سلوكه. وهذا الإنسان الاقتصادي في نظر هؤلاء الاقتصاديين لا ينظر إلى الاعتبارات الخلقية أو الأدبية، إذ لا وجود لهذه الاعتبارات في تفكيره أو في سلوكه أو قراراته الاقتصادية وهو بهذه الأوصاف يفتقد من الصفات الاجتماعية ما من شأنه أن يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع لو أنه راعى هذه الاعتبارات الخلقية أو الأدبية "[4].

" ويرى بعض المحدثين من الاقتصاديين أمثال: جيمس بيو كانن، وفريدريك إي.هايك... إن الإنسان الاقتصادي هو صاحب السلوك الاقتصادي الذي يرمز إلى أُنموذج تجريدي للسلوك البشري، وهذا الأنموذج التجريدي لا يُستخدم إلا في الأغراض التحليلية وحدها، وربما لا يكون له وجود في واقع الحياة الاجتماعية "[5].

ومما سبق نجد بأن الإنسان الاقتصادي هو إنسان مادي بحت بنظر علماء الغرب، وهذا مالا يتفق.

مع تعاليم الدين الإسلامي الذي وازن ما بين مطالب الروح والجسد، وما بين مطالب الدنيا والآخرة. والتصور الإسلامي للحياة بشقيها المادي والروحي ينسحب على برنامج التربية الإسلامية، إذ يهتم بالكيان الروحي للفرد بجانب الكيان المادي، وإعداده لحل مشاكله المادية والروحية، للوفاء بمتطلبات حياته في الدنيا والآخرة. أما النظرة الإسلامية فترى أن الإنسان ليس سلطة عليا في الحياة، وإنما هو عبد الله، وان له كياناً روحياً ومستقبلاً خالداً، وأن مهمته هي عمارة الأرض مادياً وأخلاقياً، وأن الأخلاق والتوجيهات الكلية في تنظيم الحياة إنما هي من عند الله ولا يصنعها الإنسان، وإن الإنسان مخلوق مكرّم له قدر من الحريات الأساسية في إطار العبودية لله تعالى. ولكن تبين من الواقع المعاصر أن هناك ظاهرة عامة هي وجود مخالفات وانحرافات في سلوكيات بعض المسلمين من المنظور الاقتصادي، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة:
     انخفاض الحس والوعي والفهم الاقتصادي عند بعض المسلمين.

    • الاهتمام بتربية الأبناء الصحية والتعليمية، وإهمال جوانب أخرى من التربية الإسلامية المتكاملة.

    • تأمين الأهل لكل مستلزمات أبنائهم الضرورية والكمالية بدافع الدلال تارة، أو مجاراة أقرانهم تارةً أخرى، وسط عالم من الماديات والمغريات، والمستحدثات على مدار الساعة وسط حرب إعلانية خطيرة للسلع والمنتجات، تسرق الألباب، وتستهوي النفوس الضعيفة التي لم تُربَّى تربية إيمانية اقتصادية صحيحة.

    • ابتعاد الأهل وهم القدوة لأبنائهم عن ممارسة السلوكيات الاقتصادية في حلبة الحياة اليومية، أو تلقينها لأبنائهم، مبتعدين بذلك عما أمرهم به الله تعالى، وهو المقسط العدل في الدنيا والآخرة. " فالتربية الاقتصادية الإسلامية تؤدي وظائف هامة للمجتمع كله، نذكر منها:
      1- إحياء فقه الاقتصاد الإسلامي في نفوس المسلمين، وعقولهم وسلوكهم، ونقصد بالفقه الاقتصادي هنا: مجموعة من الأسس والضوابط (المعايير) المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية، والتي تضبط سلوك الإنسان المسلم، بعد أن اندثر فقه الاقتصاد الإسلامي أو كاد وبخاصة من خلال نظمه وقيمه، حققوا الربح الحلال وقاوموا كل ما حرمه الله من تعاملات مالية، واندحر الربا واندثر ولم يستغل الأغنياء الفقراء.

      2- وبالتربية الاقتصادية؛ يتحرر الناس من مخاطر كنز المال وحبسه عن مصارفه، ويتحررون من الخوف على أموالهم من الإسراف والتبذير، ويتعلمون أن إمساك المال إنما يكون لجزء منه يسد الاحتياج، وأما الباقي فيتجه به صاحبه إلى استثماره في الزراعة أو الصناعة أو التجارة. وبذلك يحققون لأموالهم ومجتمعاتهم الأمن والأمان.

      3- والتربية الاقتصادية؛ تحرر الناس في المجتمع كله من استغلال بعض الأغنياء لبعض الفقراء، أي تحررهم مما حرم الله تعالى عليهم، وتوجههم إلى قرض المحتاج "[6].


      [1] شحاته، حسين حسين، الاقتصاد الإسلامي بين الفكر والتطبيق، القاهرة، دار النشر للجامعات، ط1، 1429هـ/ 2008م، 47.
      [2] شحاته، حسين حسين، الاقتصاد بين الواقع والتطبيق،.48.
      [3] فرج، طريف شرقي، الأبعاد النفسية للتنشئة الاقتصادية يبن الواقع المجتمعي والمتوقع الإسلامي، 1.
      [4] محمود، علي عبدالحليم، التربية الاقتصادية الإسلامية، سلسلة مفردات التربية الإسلامية، القاهرة، دار التوزيع والنشر الإسلامي، د. ت، [1- 10]، الحلقة السابعة، 52.
      [5] المرجع السابق، 53.
      [6] محمود، علي عبد الحليم، التربية الاقتصادية الإسلامية، 277.


      رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/95135/#ixzz4GwTKT8Dt