بحث عن الإبداع




بحث عن الإبداع

تعريف الإبداع 

لقد تعدّدت الاتجاهات النظرية التي تناولت مفهوم الإبداع، الأمر الذي أدّى إلى تباين وجهات النظر حول تعريفه، وذلك يعود لتداخل الاعتبارات والحاجات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، واختلاف المعايير والمحكّات التي تعدّ أساساً لاعتبار الفرد مبدعاً أو غير مبدع. على الرغم من ذلك فقد تطورت العديد من النظريات والدراسات والأبحاث في الإبداع.

ومن أشهر تعريفات الإبداع التي تضم مختلف مكونات الإبداع تعريف (تورنس Torrance) فقد عرّف الإبداع بأنه: "عملية تشبه البحث العلمي، وتساعدّ الفرد على الإحساس والوعي بالمشكلة، ومواطن الضعف والثغرات، والبحث عن الحلول، والتنبؤ ووضع الفرضيات، واختبار صحتها وإجراء تعديل على النتائج؛ حتى يتم الوصول إلى سلوك الإنتاج الإبداعي". كما عرّف جيلفور الإبداع بأنه: "سمات استعدادية تضم الطلاقة، والمرونة، والإسهاب والحساسية للمشكلات، وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها".



وفرق ديفيز (Davis, 2003) بين نوعين من الإبداع هما:

الإبداع الكامن

ويعني استعداد الفرد لإنتاج أفكار جديدة.


الإنتاج الإبداعي

ويظهر من خلال اهتمام الأفراد بموضوعات متميزة مثل الفنون والآداب والاختراعات، وأكد ديفيز (2003 Davis)، على وجود الإبداع الشخصي، الذي يمكن لأي فرد تطويره. ومعياره المرجعي هو الخبرة الذاتية للشخص، والإبداع الحضاري الذي يحكم تميزه ضمن معايير كلية أو إقليمية أو عالمية.

كما عرّف تريفنجر (Treffinger, 2000) الإبداع بأنه: عملية تطور نتاجات تتسم بالجِدَّة والحداثة من خلال تمويل نتاجات وأشياء في بيئة الفرد، وهذا المنتج يجب أن يكون فريداً ومستنداً إلى معايير الأهداف والقيم التي وضعها الفرد.

وبعامة فإن مختلف التعريفات تفسر الإبداع حسب علاقته بالإنتاج الجديد النادر الأصيل سواءً أكان فكراً أو عملاً.



أهمية الإبداع 


الإبداع يُغني حياة الأفراد ويمنحهم القوة على الإنتاج الأفضل لهم وللآخرين. ويرى ديفز (2003,Davis) أن الإبداع نمط حياة، وسمة شخصية، وطريقة لإدراك العالم، فالحياة الإبداعية تتمثل في تطوير مواهب الفرد، واستخدامه لقدراته وتوظيفيها في إنتاج الجديد المختلف والمفيد، وبعامّة فإن أهمية الإبداع تظهر في المجالات الآتية:

يطوّر قدرة الفرد على استنباط الأفكار الجديدة، وتطوير الحساسية لمشكلات الآخرين. 
يساعد الفرد في الوصول للحل الناجح للمشكلة بطريقة أصيلة. 
يُعَدّ مهارة حياتية يمارسها الفرد يوميا،ً ويمكن تطويرها من خلال عملية التعلم والتدريب. 
يُسهم في تحقيق الذات الإبداعية وتطوير النتاجات الإبداعية، والإسهام في تنمية المواهب وإدراك العالم بطريقة أفضل. 
يجعل الفرد يستمتع باكتشاف الأشياء بنفسه. 
يُسهم في تطوير اتجاهات إيجابية نحو حلول المشكلات، والتحديات التي تواجه الأفراد في حياتهم العادية. 
يؤدي إلى الانفتاح على الأفكار الجديدة، والاستجابة بفاعلية للفرص والتحديات والمسؤوليات لإدارة المخاطر والتكيف مع المتغيرات. 
يُحفز على الميل إلى التعاون مع الآخرين لاكتشاف الأفكار. 
يُسهم في تطوير أساليب التعلم وأنماطه لتصبح أكثر فاعلية. 
يُسهم في مساعدة الأفراد على تلبية ميولهم ومواهبهم وتنميتها. 
يُسهم في تطوير قدرة الفرد على التعامل مع التحدّيات والمواقف الحياتية بطريقة أكثر إبداعية. 
يُسهم في تحفيز المدارس لتكون بيئة ملائمة لاكتشاف المواهب والعمل على تنميتها من خلال توفير برامج متخصصة.



نظريات الإبداع 



تنوعت التعريفات التي تناولت مفهوم الإبداع، نتيجة لتعدد الاتجاهات والنظريات التي تناولت مفهومه وحاولت تفسيره، إذ يعرِض الأدب التربوي ما يزيد عن 45 نظرية في الإبداع. كل منها فسرت الإبداع من جانب أو أكثر، وأسهمت في فهم تنظيم الطبيعة المعقدة للإبداع، إذ تعدّ النظريات الأصل والقاعدة التي انطلقت منها حركة الاهتمام بالإبداع، وأهمية تطويره وتدريبه عند الأفراد لغايات الوصول إلى الإنتاج المبدع.

ويمكن تصنيف النظريات حسب الأتي:


النظريات والتفسيرات المبكرة للإبداع:

وتفسر هذه النظريات الإبداع على أساس الافتراض أن الإنسان لا يلعب دوراً مباشراً في عملية الإبداع، وعلى ذلك فقد ربطت الإبداع بالطبيعة، وفسّرت دور الإلهام والوعي في إنتاج الفكرة الجديدة. ومن النظريات التي ركزت على هذا المنحى:


نظرية الإلهام لأفلاطون (plato):

الذي يرى أنه لا يوجد شيء يسمى بالإبداع الشخصي، وإنما يرى أن الإبداع ناتج عن وجود قوة خارجية إلهية تسمى الإلهام. 


نظرية أرسطو (Aristotle) للإبداع:

الذي يعتقد أن عمليات الإبداع تخضع إلى قوانين الطبيعة، ويُركّز على دور الطبيعة في إنتاج الأعمال الإبداعية، التي قد تحدث تلقائياً أو بالصدفة. 


نظرية كانت (Kant):

يرى أن العبقرية تعطي القوانين، الأمر الذي يؤكد علاقة الإبداع بالموهبة والعبقرية، وعدّه تميّزاً طبيعيا،ً نابعاً من مخيلة الفرد الحرة. 


نظرية جالتون Galton (وراثة البيئة):

من النظريات البيولوجية، التي تبحث في علاقة الإبداع بالاستعداد الوراثي، وقد عرّف الإبداع بأنه قدرات طبيعية تُستمد من الوراثة. 


نظرية فرويد (Freud): 

تعدّ من نظريات التحليل النفسي، وقد أتت بما تحدث عنه أفلاطون ولكن بتسمية أخرى، وقد فسّر فرويد الإبداع على أساس نفسي، بأنه يحدث عند الفرد نتيجة لأحلام اليقظة، ويُسمى الحالة التي يتهيأ فيها الفرد باسم اللاشعور، الذي سمّاه أفلاطون بالإلهام. ويعتقد فرويد أن الإنتاج الإبداعي ينبع من تناقض في اللاشعور من الأنا، والأنا الأعلى.

وبعامة فإن هذه النظريات القديمة، لا يمكن عدّها نظريات شاملة في تفسيرها ظاهرة الإبداع، فقد تناول هؤلاء العلماء الإبداع على أساس منطقي، كما هو معروف فإن المنطق قد لا ينسجم دوماً مع الإبداع الذي لا يخضع دائماًً لمنطق ونظام معين بل هو تفكير تلقائي حرّ، ومستقل.



التفسيرات المبنية على أساس الشخصية المبدعة :


ركّزت هذه النظريات على دراسة خصائص الأفراد المبدعين واتجاهاتهم كطريقة لتفسير الإبداع، إذ ركز اميلي (1983) على بعض الخصائص الشخصية المرتبطة بالإبداع مثل الميل لكسر الروتين، ومرونة التفكير وتقدير الأفكار الجديدة. كما ركز ستيرنبرغ ولبرت 1995 (Stenberg & Leburt) على بعض السمات الشخصية الأكثر ارتباطاً بالإبداع، ومنها المرونة، وحب المغامرة، والاستقلالية، والثقة بالذات، والتلاعب بالأفكار، وتهدف مثل هذه النظريات إلى دراسة شخصية المبدع بهدف تطوير الخصائص الأكثر ارتباطاً بالإبداع وتنميتها.

وفيما يلي بعض من النظريات التي ركزت على الشخص المبدع:


نظرية تورانس (Torrance):

تحدث تورانس عن جوانب الإبداع ومكوناته واهتم بالإنسان المبدع، كما درس الاختلاف بين المبدعين والأقل إبداعاً وأكد أن الإبداع هو الحساسية العالية للمشكلات والعمل على حلّها. 


نظرية تيلر(Taylor) (التخيل والتصّور): 

عدّ خصائص الشخص المبدع أساساً للتنبؤ بالأشخاص الذين من الممكن أن يكونوا ناجحين إبداعياً، وركّز على التفسير النظري للعلاقات ضمن العمليات العقلية وإنتاج الشعر، من خلال توضيح الفرق بين التخيّل والتصّور ويقصد بالتخيّل الإحساس في إدراك الفرد للأمور، أما التصور فهو الوضوح والثبات، وهما أسلوبان للذاكرة المتحررة في الوقت والزمان. 


نظرية ماسلو (Maslow) (الإبداع لدى الأفراد المحققين لذاتهم):

ركز في هذه النظرية على دور تحقيق الذات لدى الفرد، وأثره على قدرته الإبداعية، وفرّق بين الإبداع المتعلق بالإنجازات الملموسة، وبين القدرة على الإبداع وتحقيق الذات. ويعدّ دراساته المتعمقة لمفاهيم الإبداع، والصحة النفسية والعبقرية والموهبة والإنتاجية، تخلي عن فكرته النمطية بأن هذه المفاهيم مترادفة، ووصل إلى استنتاج بأن الصحة النفسية ليست المحدّد الوحيد الذي تعتمد عليه الموهبة العظيمة، كما توصل إلى أنّ تحقيق الذات الإبداعية ينبع من الشخصية، ويظهر بشكل موسع في المسائل الحياتية العادية، وعدّ ّالإدراك الحسي عنصراً أساسياً في تحقيق الذات الإبداعية. 


نظرية لامبروسو (Lombroso): 

ربط بين العبقرية والجنون من وجهة نظر بيولوجية للسلوك الانساني، واستنتج بأن جنون العبقرية شكل خاص، وبيّن أن نسبة كبيرة من التأثيرات العقلية والجسدية تعود لعامل الوراثة، وقد استعرض بعض الصفات المشتركة بين العباقرة والمجانين مثل: طول القامة أو قصرها، النضج المبكر، استخدام اليد اليسرى، التلعثم.




التفسيرات المبنية على أساس العملية الإبداعية:


ضمن هذا المنحى تُعدّ العمليات العقلية الأساس وجوهر العمل الإبداعي، وتؤكد أن الإبداعية يمكن تعليمها كأية مهارة، إذ يمكن تنميتها عن طريق التعلم والتدريب، ويفترض أصحاب هذا الاتجاه أنه عندما يتعرض الفرد لأية خبرة فإنه يستوعب الخبرات الجديدة بناءً على البنية المعرفية المتوافرة لديه، وتسمى هذه العملية بالتمثيل أو بناء المعرفة، وبعدّ ذلك يعمل الفرد على تنظيم خبراته وعملياته السابقة لاستيعاب الخبرات التي يتعرض لها، والاستجابة لمتطلبات الموقف الجديد بطريقة تتسم بالأصالة والحداثة، وتدعى هذه العملية بعملية المواءمة، كما يعكس التفكير التقاربي والتشعيبي الإنتاج الإبداعي الأصيل والملائم، ويفسر تأثير فاعلية التفكير المبني على المشكلة في تطوير الإبداع . (Dineen, Samuel & Livesey, 2005)


ومن النظريات التي تناولت هذا المنحى ما يأتي:


نظرية والاس (Wallas):

يرى والاس أن عملية الإبداع تتشكل من مراحل متباينة تتوالد في أثناء الفكرة الجديدة، وهذه المراحل هي: الإعداد، الكمون، الإشراق، والتحقق. وحصل أول تطبيق عملي لمراحل عملية الإبداع (والاس) على يد (باتريك) فقد درست عملية التفكير الإبداعي بصورة حية وبشكل مباشر من خلال عمل الفنانين. (لمزيد من التفصيل حول التظرية يمكن الرجوع إلى مكونات الإبداع: العملية الإبداعية). 


نظرية جوردان (Gordan): 

ركّز على استخدام نموذج تآلف الأشتات واستراتيجياته، أي جعل الغريب مألوفاً، والمألوف غريباً واستخدم المجازية في إنتاج الأفكار، بالإضافة لعدة طرق بنّاءه، ومنتجة للأفكار والأعمال الإبداعية.



لتفسيرات المبنية على أساس البيئة الإبداعية:


ركزت هذه النظريات على أن السلوك الإبداعي لا يعتمد على الخصائص الشخصية، ولكنه يعتمد على طبيعة الموقف والبيئة، التي يتواجد فيها الفرد، وبالتالي فإن هذه النظريات تركزعلى أهمية البيئة التي تقدر الفرد وإسهاماته، وتشجع على الخيال والغموض، والأحداث غير المؤكدة، ويُنظر للسياق الاجتماعي الأقل إيجابية بأنه مُعيق لتنمية هذه القدرات الإبداعية، وحاجز يقف في وجه الإبداع. ومن خصائص هذه البيئات المقيدة تعريض الطالب لاختبارات متعددة وبشكل مركز، والتقدير المنخفض للفرد (Dineen, Samuel & Livesey, 2005).

وركز سكنر (Skinner) على وجود تفاعل بين عاملي الوراثة والبيئة في الإبداع، وأن الإبداع هو نتاج السلوك الإنساني، وعرّف الإبداع بنواتجه الإبداعية، ويُحكم عليه من خلال أصالة هذه النواتج ومدى ملاءمتها، وأكد أن السلوك المبدع عندما يعزز، يميل إلى التكرار، ويزداد احتمال حدوثه، وأن حدوث السلوك المبدع يعتمد على مدى توافر البيئة الغنية بالمثيرات.


التفسيرات المبنية على أساس الإنتاج الإبداعي:

كثيراً ما يتّفق الباحثون على أن الإبداع يعني الإنتاج، والإنتاج الإبداعي يجب أن يتسم بالأصالة والواقعية، وعدم التقليد والاستمرارية عبر الزمن، وأن يكون مقبولاً اجتماعيا،ً وذا قيمة، ويسهم في تطور المجتمع.


التفسيرات المبنية على أساس المنحى المعاصر:

قاد الترابط بين القدرات الإبداعية والإنتاج الإبداعي عدداً من أصحاب النظريات في مجال الإبداع إلى التوسع في مفهومهم لمتطلبات الإنتاجية الإبداعية. فقد أكدوا ضرورة دمج عدد من العوامل الاجتماعية، بالاضافة إلى العوامل الشخصية والانفعالية، وكان ستيرنبيرغ من الذين دُعوا إلى هذه النظرة المتكاملة للإبداع وضرورة توافر عدد من العوامل لظهور المنتج الإبداعي، فقد أشار إلى أن الإبداع يحدث نتيجة عدد من العوامل والعناصر وهي: القدرات العقلية، والعوامل الشخصية، ونمط التعلم، والدافعية، والبيئة. إذ يجب أن يتوافر حد أدنى من العناصر السابقة لدى الفرد، وليس بالضرورة أن تظهر هذه العناصر بمستويات متساوية لدى الفرد الواحد (Dineen, Samuel & Livesey, 2005).

المصدر المنقول منه

المصدر لهذا البحث قبل تعديلة من موقع بوابة موهبة

أرجو أن يستفيد الجميع
تحياتي