المقدمة:
يقف العالم اليوم على مفترق طرق حاسم بين طموحات التنمية الاقتصادية ومتطلبات حماية الكوكب. فالتغير المناخي لم يعد قضية بيئية فحسب بل اصبح تحديا وجوديا يهدد الامن الغذائي والمائي والصحي وحتى الاستقرار الاجتماعي والسياسي. ورغم الجهود الدولية المتواصلة منذ اتفاق باريس عام 2015 الا ان الواقع يؤكد ان العالم يسير ببطء اكبر من خطورة الازمة.
التغير المناخي واقع لا يمكن تجاهله
تشير تقارير الامم المتحدة الى ان السنوات الخمس الاخيرة هي الاكثر سخونة في تاريخ البشرية وان درجة حرارة الارض ارتفعت بمقدار قياسي يقترب من درجتين مئويتين. هذا الارتفاع البسيط ظاهريا تسبب في كوارث طبيعية متزايدة مثل الفيضانات والحرائق والعواصف التي اصبحت تضرب مناطق لم تكن تعرف هذه الظواهر من قبل.
النتيجة اننا امام تحول شامل في النظام البيئي يؤثر في كل القطاعات من الزراعة الى الطاقة ومن الاقتصاد الى الصحة العامة.
لماذا يتعثر العالم في الحل
رغم وضوح الازمة الا ان الانقسام الاقتصادي والسياسي بين الدول الكبرى والنامية يعقد المشهد. الدول الصناعية تملك التكنولوجيا لكنها لا تريد تحمل الكلفة الكاملة للتغيير بينما الدول النامية تعاني من ضعف التمويل وصعوبة التحول الى اقتصاد اخضر دون دعم خارجي.
اضف الى ذلك ان المصالح النفطية والاقتصادية تجعل بعض الحكومات تؤخر الانتقال الطاقوي خوفا على مواردها الحالية مما يخلق فجوة بين ما يقال في المؤتمرات وما يحدث فعليا على الارض.
الاستدامة كمفهوم شامل
الاستدامة لا تعني فقط خفض الانبعاثات بل تعني بناء نمط حياة واقتصاد ومجتمع قادر على الاستمرار دون استنزاف الموارد. وهي تقوم على ثلاث ركائز اساسية:
- الاستدامة البيئية عبر حماية الموارد الطبيعية والحد من التلوث.
- الاستدامة الاقتصادية عبر تبني نماذج انتاج ذكية تعتمد على الكفاءة والابتكار.
- الاستدامة الاجتماعية عبر بناء مجتمعات عادلة تقل فيها الفوارق وتتحقق فيها العدالة بين الاجيال.
دور الذكاء الاصطناعي في خدمة الاستدامة
الذكاء الاصطناعي يقدم فرصا كبيرة لدعم خطط الاستدامة من خلال تحليل البيانات البيئية وتوقع التغيرات المناخية ومساعدة الحكومات في اتخاذ قرارات دقيقة وسريعة. كما يمكنه تحسين كفاءة استهلاك الطاقة في المدن والمصانع وتطوير حلول نقل ذكية تقلل من انبعاث الكربون.
في المستقبل القريب ستكون المدن الذكية قادرة على ادارة مواردها الطبيعية بشكل ذاتي بفضل الذكاء الاصطناعي وانترنت الاشياء.
التجربة الاماراتية نموذجا
تعد الامارات العربية المتحدة من الدول الرائدة في المنطقة في مجال الاستدامة البيئية اذ تبنت استراتيجية تنمية خضراء واطلقت مشاريع ضخمة مثل مدينة مصدر والحي المستدام في دبي واستراتيجية الحياد المناخي 2050.
هذه المشاريع تؤكد ان الاستدامة ليست رفاهية بل رؤية وطنية تربط بين الاقتصاد والبيئة والانسان وتستشرف مستقبل الاجيال القادمة.
وفي الختام
التغير المناخي قضية عالمية تتطلب شجاعة في القرار وجرأة في التنفيذ وتعاونا حقيقيا يتجاوز حدود المصالح الضيقة. فالارض لا تملك ترف الانتظار والوقت يمر بسرعة بينما المؤشرات البيئية تتدهور يوما بعد يوم. المستقبل لن يرحم من تجاهل هذا الخطر بل سيكافئ من اختار ان يكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق