المقالات الحديثة
recent

لا تخلط بين التنظيم والسيطرة – القيادة تربية لا إدارة خشنة


لا تخلط بين التنظيم والسيطرة – القيادة تربية لا إدارة خشنة

العديد من المديرين يعتقدون أن الإدارة الصارمة هي السبيل الوحيد للسيطرة على الأداء، وأن فرض القوانين بكل دقة هو ما يصنع بيئة منظمة وناجحة. لكن الحقيقة أن هناك فرقًا عميقًا بين التنظيم الذي يُنتج الانضباط، وبين السيطرة التي تُنتج الخوف. التنظيم يولّد الوضوح، أما السيطرة فتولد التردد. المدير القائد يفهم هذا الفارق الجوهري، ويُدير من خلال بناء ثقافة لا فرض سلطة.

البيئة التي يسودها الصمت ليست بالضرورة بيئة ناجحة، بل قد تكون بيئة مثقلة بالخوف. فالموظف الذي لا يتحدث ليس دائمًا مرتاحًا، وقد يكون حذرًا، مُراقبًا، أو فاقدًا للثقة. القائد الواعي لا يفرح بالصمت المُطبق في الاجتماعات، بل يبحث عن الأصوات التي غابت، وعن الأسئلة التي لم تُطرح. هو يعرف أن الرأي الآخر ليس تمردًا، بل دليل حياة. وأن الحوار المنضبط أقوى من الإذعان الصامت.

حين يكون المدير مشغولًا فقط برصد الأخطاء، سيصبح الفريق منشغلًا بإخفائها. أما إذا كان منشغلًا ببناء روح المسؤولية، سيصبح الفريق منشغلًا بالتحسين والتطوير. الموظف لا يُعطي أفضل ما عنده إذا شعر أن كل حركة منه مُراقبة ومُحاسبة، بل عندما يشعر أن له مساحة آمنة للتعبير، للتجريب، وللتعافي من الخطأ. القيادة الأخلاقية تبدأ من منح الآخرين الشعور بالأمان النفسي، لا بتعليق لائحة العقوبات على الجدران.

ولا يعني هذا أن القائد يتساهل أو يُهمِل المعايير، بل على العكس، هو من يرسّخ المعايير بدقة، لكنه يُفعّلها بفهم إنساني. لا يكتفي بما هو مكتوب، بل يربط السلوك بالغاية، والقانون بالقيمة. المدير القائد لا يُلاحق التفاصيل ليُثبت سلطته، بل يُوجه التفاصيل نحو تحقيق الرسالة الأكبر للمنظمة. فلا يتحدث فقط عن الوقت والانضباط، بل عن الأثر والروح والانتماء.

الفرق بين المدير الإداري والمدير القائد، أن الأول يبحث عن النتائج ولو على حساب الإنسان، والثاني يؤمن أن الإنسان هو الذي يصنع النتائج. لذلك، لا يفرض الصمت، بل يبني الاحترام. لا يُدير من فوق، بل من الداخل. لا يسأل "كم أنجزتم؟"، بل يسأل أيضًا "كيف تشعرون وأنتم تنجزون؟". هو يدرك أن الأداء لا يستقيم تحت الضغط وحده، بل في بيئة يشعر فيها كل فرد بأنه محترم، مسموع، وذو معنى.

القائد الحقيقي يُراقب لا ليتحكم، بل ليفهم. يُصغي لا ليُسجّل، بل ليبني. يُلاحظ لا ليُحاسب، بل ليرى الفُرص للنمو. يُدير لا فقط ليضبط، بل ليُمكّن. وكلما خفّفت من قبضتك، زادت ثقة الناس في أنفسهم، وزاد التزامهم بك. السيطرة لا تُبني فرقًا، بل تُطفئ روح المبادرة. أما التنظيم النابع من الثقة، فيُطلق شرارة الابتكار ويزرع الانتماء الحقيقي.

ولذلك، عندما ترى بيئة عمل هادئة بشكل مريب، فاسأل:
هل هذا هدوء الرضا… أم صمت القلق؟
وهل الطاعة ناتجة عن احترام… أم عن خوف من العقوبة؟
المدير القائد لا يُخيف فريقه ليعمل، بل يُلهمهم ليبدعوا.
فالقيادة ليست أن تتحكم في المكان… بل أن تصنع مناخا يزهر فيه الناس.

د. بدر رمضان الحوسني
albder.com

Albder.com

Albder.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.