💡 التمكين التربوي بين القيادة الذكية والتحفيز المؤسسي
بقلم: د. بدر رمضان الحوسني
✳️ تمهيد:
حين نتحدث عن جودة التعليم، فإننا لا نتحدث فقط عن المنهاج أو البنية التحتية، بل عن الإنسان الذي يقود عملية التعليم، ويمتلك القدرة على التأثير وصنع القرار. ومن هنا يظهر مصطلح "التمكين التربوي" كركيزة مركزية في تطوير الأداء المهني للمعلمين، ورفع كفاءة المؤسسات التعليمية، وتحقيق التحول الذكي المستدام.
لم يعد كافيا أن نوفر الأنظمة والسياسات، بل نحتاج إلى بيئات تنظيمية تؤمن بالمعلم والموظف كشريك في القرار، لا كمنفذ له فقط. ومن واقع بحثي وتجاربي الميدانية، أجد أن التمكين هو أحد أسرع السبل نحو التميز المؤسسي والنضج القيادي.
🧠 المفهوم الاستراتيجي للتمكين:
التمكين في بيئة التعليم لا يعني نقل الصلاحيات فحسب، بل يعني بناء ثقافة ثقة تسمح للعاملين بأن يتحركوا بحرية ضمن إطار واضح من الرؤية والقيم.
ومن خلال الدراسة التي أجريتها عام 2023، أعدت تعريف التمكين التربوي ضمن أربعة أبعاد مترابطة:
-
الرسالة والمعنى: أن يدرك الموظف أهمية ما يقوم به في تحقيق أهداف المؤسسة.
-
الفعالية الذاتية: أن يشعر بالكفاءة في اتخاذ القرار وحل المشكلات.
-
المرونة المؤسسية: أن يتمتع بهامش كاف من الحرية التنظيمية ضمن نظام داعم.
-
المشاركة في صنع القرار: أن يكون جزءا حقيقيا من العمليات اليومية لا مجرد متلق للقرارات.
🚀 لماذا التمكين الآن؟
تشير نتائج البحث التطبيقي الذي قمت به على موظفي مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي، إلى أن التمكين الإداري يزداد قوة حين يُدعم بثلاثية مترابطة:
-
التحفيز الفعال: المادي والمعنوي.
-
الابتكار المؤسسي: من حيث الفكرة والسلوك.
-
الحكومة الذكية: من حيث التقنيات والأنظمة.
وقد توصلت من خلال تحليل العينة البالغ عددها 2750 موظفا، إلى أن هذه المتغيرات تمارس تأثيرا مباشرا وغير مباشر على مستوى التمكين داخل المدرسة، وأن التحفيز يمثل عاملا وسيطا قويا بين الحكومة الذكية والابتكار من جهة، والتمكين من جهة أخرى.
🏫 التمكين في البيئة المدرسية: من النظرية إلى التطبيق
في الورش التطبيقية التي نفذناها مع القادة والمعلمين، وخاصة ضمن مبادرات القيادة المؤثرة في مدارس الشارقة، لاحظنا أن تمكين المعلم يمر بثلاث مراحل:
-
الاستيعاب: فهم فلسفة التمكين ودوافعه.
-
التمرين: ممارسة الصلاحيات ضمن إطار تجريبي.
-
التكامل: اعتماد نهج التمكين كأداة إدارية مستدامة.
ومن الممارسات الفعالة التي رصدناها:
-
إنشاء وحدات داخل المدرسة يقودها المعلمون لتطوير المناهج أو تقييم الأداء.
-
إشراك الطلبة وأولياء الأمور في المجالس التعليمية كمراقبين ومقترحين.
-
تخصيص ساعات أسبوعية للابتكار التربوي، بعيدا عن التقييم الرسمي.
💬 نماذج من الميدان:
"حين شعرت أن صوتي مسموع، قررت أن أبذل أقصى ما لدي لأجعل بيئة التعلم أكثر إنسانية"،
— إحدى المعلمات المشاركات في ورش التمكين بدبي
"أصبح لدينا في المدرسة قادة من نوع جديد.. ليسوا مدراء بل معلمون يقودون زملاءهم نحو التميز"،
— قائد مدرسة متميز ضمن جائزة حمدان بن راشد للأداء التعليمي
🔍 التحفيز كجسر للتمكين
التحفيز ليس غاية، بل هو الأداة التي تحرّك طاقة الأفراد. وقد أثبتت دراستي أن التحفيز حين يكون عشوائيا أو تقليديا يفقد أثره، أما حين يكون مبنيا على الاحتياج الفردي ويخاطب الدوافع الذاتية، فإنه يتحول إلى محفّز حقيقي للتمكين.
أنواع التحفيز الفعال:
-
تحفيز مادي: مكافآت، حوافز، ترقيات.
-
تحفيز معنوي: التقدير، الإشادة، الفرص القيادية.
-
تحفيز ثقافي: إشراك الموظف في تصميم البيئة المهنية.
🛠️ أدوات تمكينية لقادة المدارس:
-
تفويض مدروس: تسليم ملفات قيادية للمعلمين بناء على الكفاءة لا الأقدمية.
-
منصات اقتراحات: رقمية أو ورقية، تُدرس وتُنفذ.
-
حوارات مهنية شهرية: جلسات تقييم أفقي بين المعلمين أنفسهم.
-
خطط تطوير فردية: موجهة لكل موظف بناء على احتياجاته.
📘 من التمكين إلى الريادة:
المدرسة التي تعيش ثقافة التمكين، هي مدرسة تملك المناعة أمام الأزمات، والقدرة على المبادرة، والنضج المؤسسي. ولذلك، فإن ربط التمكين بخطط التميز المؤسسي، يحقق التحول من الأداء الجيد إلى الأداء الاستثنائي.
وهذا ما تم تطبيقه فعليا ضمن ملفات الترشح لجوائز التميز، حيث لاحظنا أن المدارس التي مارست التمكين فعليا، كانت الأقرب إلى الفوز، لأنها تملك شواهد وأدلة حقيقية على الشراكة القيادية والتفاعل المؤسسي.
📌 الختام:
التمكين ليس خيارا، بل ضرورة في بيئة تعليمية متغيرة. وحين نُمكّن المعلم، فإننا نُمكّن الطالب والمجتمع والمؤسسة.
"إذا أردت أن تغير مستقبل أمة، فابدأ بتمكين من يعلم أبناءها"
— د. بدر رمضان الحوسني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق