في هذا العصر المفتوح الذي تتعدد فيه الاصوات والافكار والانماط لم يعد الطفل يتلقى مؤثرا واحدا بل يعيش في بيئة متشابكة من المؤثرات الاجتماعية والثقافية والرقمية التي تشكل شخصيته وتوجه اختياراته وفي خضم هذا التنوع قد يفقد الطفل بوصلته الداخلية اذا لم يجد مرجعية واضحة ترشده وتساعده على فهم نفسه وتحديد هويته
فهل ننتبه كاباء ومربين الى اهمية بناء هوية راسخة لاطفالنا وسط هذا التعدد وهل نغرس فيهم ثقة كافية تجعلهم يعرفون من هم وماذا يريدون دون ان يضيعوا بين الصور المتعددة التي تفرضها عليهم الحياة الرقمية والمجتمعية
الهوية ليست فقط اسما او انتماء
الهوية الحقيقية هي وعي داخلي يجيب فيه الطفل على اسئلة مثل من انا ماذا احب كيف اتصرف ما هي قيمي ومبادئي الطفل الذي لا يجد اجابات واضحة عن هذه الاسئلة يصبح عرضة للتقليد الاعمى والانقياد وراء الجماعات المؤثرة او التيارات السطحية
مثال تطبيقي طفل تغير سلوكه فجاة بعد متابعته لاحد المؤثرين الذين يقدمون محتوى ساخر عندما سئل عن السبب اجاب انه يريد ان يكون مشهورا مثله هنا لم يكن لدى الطفل تصور واضح عن ذاته فاستعار شخصية اخرى ليملا بها الفراغ
تعدد المؤثرات ليس خطرا اذا كان الطفل محصنا
نحن لا نستطيع عزل الطفل عن المؤثرات لكنه يمكن ان نحصنه بالوعي والانتماء الذاتي حين يكون لديه اساس قوي فهو يتفاعل مع العالم لا يذوب فيه
- التحدث معه عن المحتوى الذي يشاهده
- سؤاله عن رايه في الشخصيات التي يتابعها
- مساعدته في تحليل المواقف والقيم التي يراها
- تعليمه ان الاختلاف طبيعي لكن ليس كل ما هو شائع صحيح
مثال تطبيقي ام لاحظت اعجاب ابنتها باحدى الشخصيات الرقمية فجلست معها تشاهد مقطعا ثم ناقشت معها السلوكيات الايجابية والسلبية التي ظهرت فيه وسالته ما الذي يجعل شخصيتك انت مميزة هذه الجلسة البسيطة اعادت الابنة الى ذاتها
غرس الانتماء من الداخل
الطفل بحاجة الى ان يشعر انه ينتمي الى بيته وقيمه واسرته ومجتمعه هذا الانتماء هو الجدار الاول في حماية الهوية
- تعريفه بتاريخ العائلة وقصص الكبار
- مشاركته في مناسبات مجتمعية او وطنية
- الحديث عن المواقف العائلية الجميلة التي تشكل ذاكرة وهوية
مثال تطبيقي اسرة تخصص مساء كل جمعة لحديث الاجداد حيث يروي الجد او الجدة قصة من الماضي ثم يناقشها الجميع ربطت هذه العادة الطفل بجذوره واشعرته بالفخر بانتمائه
صناعة البصمة الخاصة
لكل طفل شخصية فريدة ونقاط قوة خاصة علينا ان نكتشفها وننميها لا ان نطلب منه ان يكون نسخة من غيره
- ملاحظة اهتماماته وتوجيهها
- تشجيعه على التعبير عن رايه
- اعطاؤه مساحة لتجربة هوايات متنوعة
- مدحه على صفات اصيلة فيه مثل الصدق او اللطف او الشجاعة
مثال تطبيقي اب لاحظ ان ابنه يكتب خواطر قصيرة فاشترى له دفترا انيقا وشجعه على الكتابة اليومية ثم قرر ان ينشر له اول قصة صغيرة في مجلة مدرسية هذا الدعم جعل الطفل يشعر انه يمتلك بصمته الخاصة
الاندماج دون الذوبان
نريد لاطفالنا ان يندمجوا في العالم لا ان يذوبوا فيه ان يكونوا منفتحين على الاخر دون ان يفقدوا قناعاتهم ان يحترموا التنوع دون ان يتخلوا عن المبادئ
- نعلمهم كيف يقولون لا دون عدوانية
- نناقشهم حول الاختلاف بين القيم والثقافات
- نغرس فيهم الثقة بان الاختلاف لا يعني الخطا
مثال تطبيقي معلمة لاحظت ان احدى الطالبات تتجنب الحديث في الصف لانها لا تشبه زميلاتها في اللباس فخصصت حصة للنقاش حول الجمال الداخلي والاختلاف الايجابي ثم طلبت من كل طالبة ان تذكر ميزة تحبها في زميلتها هذه المبادرة اعادت الطالبة الى دائرة الثقة والاندماج
الختام هوية الطفل امانة لا تؤجل
في نهاية الامر الهوية ليست شيئا نمنحه للطفل بل هي بناء مستمر نشارك فيه معه خطوة بخطوة اذا لم نغرس فيه الوعي بمن هو فالعالم سوف يخبره من يجب ان يكون واذا لم نقدم له مرآة صافية فسيرى نفسه في انعكاسات غيره
فلنساعده ان يصنع بصمته الخاصة لا ليبتعد عن العالم بل ليعيش فيه بقوة وثبات واتزان فلنرب ابناءنا على ان يكونوا اوفياء لذواتهم وفخورين بانتمائهم وواعين لما يميزهم في عالم يمجد التقليد وينسى الاصل
تعليقات
إرسال تعليق