Umaima Al Mahdhori أميمة المحذوري
يبدو أن شهر مارس عزيز على الكثير وخصوصا النساء لأنه يصادف مناسبتان هامتان للمرأة وهما يوم الأم (21 مارس) ويوم المرأة العالمي (17 مارس). ولهذه المناسبتين أحببت أن أشاركهن سعادتهن بهذا اليومين وأهديهن هذا المقال الذي هو خلاصة كلمة ونشاط تحفيزي قدمته في أحد المناسبات النسائية في أحد المؤسسات والتي كانت تهدف بشكل أساسي لدفع المرأة للتفكير باتجاه التحفيز الذاتي لبلوغ الأهداف والتغلب على التحديات
فالحقيقة وبالرغم من اختلاف الظروف بين الكثير من النساء من حيث التعليم والحياة الاجتماعية وجانب الأعمال بشكل عام والطموحات والتطلعات وخلافهن، إلا اننا نجد تشابه كبير بين الكثير منهن وخصوصا اللاتي يسعين في حياتهن لتحقيق هدف هام وترك أثر كبير في مجتمعاتهم. ويبدو أن تحقيق الأهداف أمر غير سهل وخصوصا في حالة تشابكها واختلاطها
هناك ظاهرة هامة جدا وتكاد تكون سائدة في حياة العديد من النساء الناجحات أو الساعيات للنجاح، وهي ظاهرة "السوبر ومان" أو "المرأة الخارقة" أي المرأة التي تسعى لإرضاء جميع الأطراف وتغطية جميع الالتزامات على اختلافها لإسعاد الجميع ولتحقيق رضى الذات بذلك. فقد اثبتت دراسة نشرت في 2013 سنة موقع enterprenuers.com حول حقائق جمعت من فريق لينكدان أن 74% من النساء يعتقدن بأنه بمقدورهن السيطرة على جميع مناحي الحياة: كالعمل والأسرة والعلاقات الاجتماعية المواهب والاهتمامات والتعليم وخلافه بشكل سلس. في حين يعد هذا الأمر فعليا صعبا ومرهقا جدا. فالكثير من النساء تسعى لتحقيق الذات في العمل من خلال مختلف الإنجازات والانخراط في جو المشاركة وعمل الفريق أو من خلال تولي المناصب القيادية أو تأسيس مشروعها الخاص وغيرها من اشكال المشاركة في الجمعيات والمنديات والمحافل العملية. يخلق ذلك بلا شك أثر رائع في نفس الانسان وهو شعور "التحقيق والانجاز"، إلا انه أمر معقد إذا كان من الضروري الموائمة بينه وبين الاهتمام بالأسرة والأبناء من حيث التربية والتعليم والتغذية والصحة من جانب، والاهتمام من جانب اخر بتكوين والمحافظة على العلاقات الاجتماعية المتفرعة التي تتدرج إلى شبكات مختلفة الحجم سواءا الأهل والمقربون ثم الجيران ثم الصديقات بمختلف المستويات ... صديقات الطفولة والمراحل الدراسية المختلفة وصديقات المواقف والعمل وخلافه. إلى جانب كل ذلك، هناك أمور خاصة بالمرأة كشخص والتي تعد كمزايا خاصة بها كأنثى والتي تتشبث بها عادة ضمن قوائم أولوياتها لإيمانها بأنها تعزز من حبها لذاتها وتذكريها بطبيعتها الحقيقة كالمواهب والمهارات المختلفة التي تميل إليها الكثير من النساء كالرسم والتشكيل والأزياء والأناقة والجمال والمطالعة وهلم جرا. ويزداد الأمر تشتتا وصعوبة عندما تضيف المرأة إلى أولوياتها أمور أخرى جميلة وطموحة كريادة الأعمال الحرة والعمل التطوعي وممارسة الرياضة والانضمام إلى فرق رياضية أو أندية مختلفة الاهتمامات وهكذا
تتمنى الكثير من النساء النجاح في مختلف المجالات وسرعان ما تظهر تطلعات جديدة في حياتها مع الأيام والاحتكاك بنماذج مختلفة من البشر. إن بلوغ أعالي قمم الإنجاز أمر مثالي بالتأكيد، ولكنه صعب جدا في حال كانت عملية "الصعود إلى سلم النجاح بكعب!"، وهو تماما ما أردت أن أشد انتباه النساء القارئات له إليه بالضبط! "الصعود بكعب" تشبيه نظري مثالي للمضي في سلم ولكن بوجود عائق مرهقا ومثبط. فقد نصعد السلم بكعب ولكن سيتحتم علينا أن نختار من بين ثلاثة سيناريوهات: الصعود والوصول إلى قمته ولكن بعناء بسبب انتعال الكعب، أو صعود السلم مع عراقيل ومثبطات مما قد تؤدي إلى توقف الصعود وهذا يحصل تماما في حال انكسار الكعب في منتصف الطريق، أو أن تنتهي عملية صعود السلم مع حوادث ذات أضرار بالغة في حال تسبب الكعب في الانزلاق
السؤال الذي أتمنى من عزيزتي القارئة أن توجهه لذاتها: هل هذه الخيارات ما اتمنى أن أمر به بالفعل عند صعود سلم تطلعاتي الطموحة؟ لماذا احمل نفسي مالا طاقة لي به؟ هل هناك خيار أسلم وأفضل لي؟ وهل هذه الصعوبات هي نتيجة عوامل خارجية أو عوامل من صنع أيدينا؟
لا أنكر بأن هناك العديد من العوامل الخارجية التي تعرقل صعود النساء في سلم النجاح، فمن نفس نتائج الاستبيان الذي ذكر في اول هذا المقال، وجد أن 77 % من النساء العاملات يدركن إمكانية نجاحهم أو يقدرن ويفخرن بالنجاح الذي حققنه ولكنهن يعترفن بوجود عوائق خارجية كبيرة تؤخر نجاحهم. فقد كانت نسبة 54% من النساء اللواتي استجبن للاستبيان يعانين في العمل من عدم وضوح المسار الوظيفي الذي ترتب عليه عدم وضوح الرؤية والأهداف المستقبلية سواءا على الصعيد الشخصي والعملي وبالتالي صعوبة تحديد الأولويات. بينما أكدت 44 % من النساء أن عدم التساوي في الأجور (يعتمد على حسب البلاد) والالتزامات الأسرية هما من أهم العوامل التي تعرقل صعود السلم الوظيفي. وهناك العديد من العوامل الأخرى التي تعرقل نجاح المرأة بشكل خاص -والانسان عموما- ولكن لا ننسى كذلك بأن هناك عوامل أخرى من صنع أيدينا ومنها وهي الأهم التشتت وعدم ترتيب الأولويات
دعونا أعزائي وعزيزاتي نتعلم القليل عن فهرسة أعمالنا الحياتية والوظيفية وتحديد ما هو مهم وما هو أهم. لا اعتقد ابدا أنه من النجاح أن "يحشر" الانسان نفسه في جدول ضيق جدا من الالتزامات والتطلعات والأحلام والواجبات، إذا كان ذلك يسبب أثر جانبي على نفسية الانسان او صحته او تقصير في أولويات فعلية في الحياة كالعلاقة مع الرب أو بر الوالدين أو تحصيل الرزق مثلا. حتى أن التركيز على هذه الأولويات يجب أن يتسم بشيء من الاتزان وعدم المبالغة لحد نسيان جوانب أخرى كننا نأمل تجربتها في حياتنا قصيرة الأمد.
وانه لجدير بالذكر أنى عرفت من خلال التجربة الذاتية ومن خلال الاستماع إلى تجارب الاخرين بأن غالبية المشاريع الحياتية والعملية بأنواعها لا يتمكن الانسان من استكمالها بنجاح إذا كانت بدايتها مجرد قرار عابر غير متفكر، وإذا كانت مجرد "كمالة عدد" للقوائم الطويلة التي يضيف عليها كل ليلة لمجرد انه سمع أن فلان سوى وفلان عمل وفلان انجز وفلانة ناجحة في جميع المجالات وفلانة راحت ورجعت... وغيرها مما يسبب التشتت للكثير مننا. بل إن الكثير من المشاريع والخيارات المبنية على حافز فلان سوى وعلان حقق غالبا ما تظل في عقل الشخص ولا تبدأ فعاليا ولا ترى خيط من النور في الأساس
الكثير من الأشخاص يسبب لهم هذا النوع من الخطط "العائمة" والتي تظل معلقة دون انجاز فترة طويلة، شيئا من الضغط النفسي نتيجة الشعور بالالتزام نحو هدف مهم –وقد يكون له مردود قيم، وسرعان ما يكبر هذا الضغط إلى جلد الذات على تأخير المشاريع والأحلام الهامة على المستوى الشخصي ويؤدي إلى إنهاك ذهني و نفسي
لذلك بات ضروريا تحديد الأولوية لتحديد نوع النجاح الذي نحن بحاجة إلى تحقيقه وتحديد معاييره. فمن كانت أولوياته الحياة الأسرية والعلاقات الاجتماعية عليه أن يصيغ أهدافه بذكاء حول هذا الإطار ويضع معايير ذكية ليقيس ما يحققه في هذا الجانب، ومن ينظر إلى النجاح بأنه التوازن بين الحياة الاجتماعية والعملية سيكون عليه أن يضع معايير لكلا الجانبين بأوزان متساوية لتحقيق الهدفين بعدالة. وخلافا لهذان هناك من يجد أن تحقيق الاكتفاء المادي كالراتب المرتفع والحوافز والعلاقات العملية القوية والشهرة في مجال الأعمال ترجح عنده كفة الجانب العملي لتطغى على الجانب المعنوي في مقاييس أهدافه. وليس أيا من هذه التوجهات خاطئ، فالمرء يحدد ما يتمنى ويحدد كيف يصل له ويقيس مدى تحقق هدفه على أرض الواقع، ويكون الخلل الحقيقي في عدم تمكن الشخص من المضي في تحقيق أولويته وظهور تراجع في المعايير التي تخدم الأولوية التي اختارها
هنا ... سأقوم هنا بتغير لجهة الحوار في هذه المرحلة من الحديث، من عزيزاتي إلى أعزائي وعزيزاتي لأن هناك ما استعرضه هو ليس مقصور على نوع أو فئة عمرية أو أي تصنيف بشري محدد
أعزائي وعزيزاتي... سأخبركم بالفكرة التي أقترحتها على الحاضرات في تلك الجلسة عن ترتيب الأولويات وأتمنى أن تكون مفيدة لكم كذلك. وبما أني مهتمة ومتطلعة كثيرا في أمور العلامات التجارية والهويات المؤسسية سأعطي هذه المعلومة "براند" أو هوية، لنقل "تحقيق" أو "النجاح الباهر" أو "سطوع" أو "صميم الهدف"، المهم... ومهما كان الإسم... الفكرة تكمن في تحديد ثلاث أبعاد مهمة في تحديد أولويات الانسان خصوصا عندما تزداد قائمة الأهداف طولا ويصعب تحقيق النجاح في أي مجال بسبب تشتت الذهن والجهد
البعد الأول (العاطفة): تحديد ما نريد وما نحب وما يمكننا بالفعل الإصرار لأجله لإيماننا وتعلقنا به
البعد الثاني (القدرات والكفاءات): تحديد ما نحن قادرين ومؤهلين على فعله، لضمان الإبداع والتمكن من الإنجاز وبصورة تنافسية
البعد الثالث (الطلب): تحديد ما هو مطلوب بالفعل ومقبول بالنسبة للمحيط الخارجي، لضمان احداث التأثير المطلوب والاستجابة والقبول
تجربة هذا المزيج سيجعلك قادر على وضع معايير تحديد أولوياتك من بين قوائمك الطويلة للأهداف والأحلام وخلافه.... لنجرب! أتمنى لكم نهاية مارس بتطلعات واضحة وبداية لأبريل مفعمة بالأهداف الواضحة
Comments
Post a Comment