الركود الاقتصادي أفضل الأوقات لتقييم الأعمال بدقة

الركود الاقتصادي أفضل الأوقات لتقييم الأعمال بدقة

اعتادت شركة مستحضرات التجميل الأمريكية “الخيمي فور ايفر” التي تتخذ من واشنطن مقراً لها أن تسجل مستويات مبيعات ضخمة في فصل الصيف بفضل موسم العطلات الذي ينشط خلاله الطلب من قبل شركات التجميل والصالونات والمنتجعات الصحية، لكن الحال اختلف هذا العام مع تراجع مستوى نمو المبيعات منذ الصيف الماضي إلى 10% مقارنة بحوالي 24% درجت الشركة على تحقيقها في هذه الفترة من كل عام، وذلك نتيجة الأزمة التي تعصف بالعديد من الشركات في الولايات المتحدة .

وبحسب مجلة “بيزنس ويك” قررت ادابولاتراي مؤسسة الشركة وصاحبتها رفع العمولات الممنوحة لمندوبي المبيعات في الشركة من 8% إلى 13% . كما بدأت في منح مديري المنتجعات الصحية بطاقات هدايا مجانية بقيمة 100 دولار للبطاقة الواحدة وذلك عن المبيعات التي تتخطى الألف دولار، وبادرت كذلك إلى تقديم عينات مجانية إضافية لكل عملية بيع تتعدى المائتي دولار .

ولم تكتف بذلك بل بادرت إلى خفض التكاليف في شركتها التي تضم 8 موظفين وتقدر قيمتها بحوالي المليون دولار . وساعدت هذه التدابير بالفعل في تعزيز أداء الشركة لتنمو مبيعاتها بمعدل 12% في الربع الأخير من العام الماضي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2006 .

إن الاقتصادات العالمية تواجه اليوم أزمة مالية واقتصادية خطيرة في تبعاتها وموجعة في آثارها وانعكاساتها على كافة قطاعات الأعمال في مختلف دول العالم، وبالتالي على رؤساء الشركات وكبار المديرين السعي لابتكار آليات عمل وسياسات تساعدهم على التكيف مع هذه الظروف الصعبة وتمكنهم من احتواء انعكاساتها . ويقول جلين اوكيون أستاذ الإدارة لدى جامعة ستيرن لإدارة الأعمال في نيويورك إن مناخ الأعمال في الولايات المتحدة وبقية دول العالم يزداد صعوبة في المرحلة الراهنة مما يفرض على رجال الأعمال وكبار قادة الشركات العالمية تحديات حقيقية وتضعهم أمام اختبارات صعبة خاصة بعد أن نمت قطاعات الأعمال العالمية خلال الأعوام القليلة الماضية بظروف مواتية للتوسع والنمو . وتقول مجلة “بيزنس ويك” إن إطلاق وصف “صعب” على المرحلة الراهنة التي يمر بها الاقتصاد العالمي يبدو أقل بكثير مما تشهده قطاعات الأعمال بالفعل فالبنوك شددت معاييرها الخاصة بالإقراض مع تواصل ارتفاع حالات العجز عن السداد، كما تراجعت كذلك أسعار المنازل والعقارات الأمر الذي ألغى خطط العديد من رجال الأعمال لاستغلال خطوط الائتمان العقاري لتوفير السيولة اللازمة لأعمالهم بشكل سريع، وبالإضافة إلى ذلك تواصل تكلفة الطاقة الارتفاع بسرعة قياسية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق .

وبالرغم من أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يواصل خفض معدلات الفائدة ويدعم الأسواق بضخ المزيد من السيولة، إلا أن هذه التدابير لن تسهم كثيراً في مساعدة الشركات الصغيرة التي تواجه ظروف تفوق قدرتها على الاحتمال .

وبالفعل بدأت شركات عدة في خفض التكاليف لمواجهة الأوضاع الراهنة وليس المقصود هنا فقط الاستغناء عن الانفاق الرأسمالي على الأصول الضخمة كالعقارات أو حتى تعيين الموظفين الجدد، بل وصلت بعض الشركات إلى حد خفض الانفاق على المكالمات الهاتفية ومخصصات الهواتف المحمولة وإمدادات الأدوات المكتبية .
بيد أن هذه الحلول وحدها ليست بالكافية، إذ يؤكد الخبراء أن هناك الكثير من الاستراتيجيات التي يمكن لهذه الشركات اتباعها في مواجهة الأوضاع الاقتصادية المتعثرة . ويقول الخبراء إن التحديات الاقتصادية الصعبة تفرض على الشركات التوقف لتقييم أوضاعها المالية ومستقبل أنشطتها، وتؤكد البيانات والإحصاءات أن الشركات التي تستطيع اتخاذ التدابير المناسبة يمكنها الصمود خلال الأزمات بل ومواصلة النمو ايضاً .

إذ أظهرت دراسة احصائية حديثة ان 26% من الشركات الصغيرة التي واصلت العمل خلال فترة الركود التي شهدتها الولايات المتحدة عامي 2000 و2001 تمكنت من توظيف موظفين جدد، مقارنة بحوالي 29% فقط خلال فترة النمو الفقاعي عام 1999 .

وبحسب الخبراء فإن سر صمود الشركات الصغيرة ونجاحها في تجاوز الأوقات الصعبة بسلام يكمن في قدرة مديرها على رؤية الصورة بوضوح كامل يساعده على اكتشاف الأوجه التي يمكن من خلالها خفض الانفاق والتكاليف دون أن يؤثر ذلك بشكل أو بآخر في مستوى الإنتاج، فعلى سبيل المثال قررت تراي إرسال سلة هدايا بقيمة 30 دولاراً لعملائها في عيد الميلاد، بدلاً من علبة الحلوى التي كلفتها في العام السابق 45 دولاراً، وطلبت من مندوبي مبيعات الشركة النزول عند أصدقاء أو أقارب لهم إن أمكن خلال رحلات السفر الخاصة بالعمل بدلاً من أن تتكلف الشركة حجوزات فنادق، كما حرصت على شراء تذاكر سفرهم في غير أوقات الذروة .

وبحسب تراي أسهمت هذه التغييرات الصغيرة في توفير ما نسبته 15% من فاتورة رحلات السفر السنوية الخاصة بالشركة والتي تصل إلى20 ألف دولار . وتقول تراي “ما من شيء هناك يمكن وصفه بالمصرف البسيط وخاصة خلال فترات الركود” .

لكن على رئيس الشركة ان يكون حريصاً في اختيار بنود التوفير في الانفاق، إذ يقول ماثيو كيلي الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات المالية “جولد ميدال ووترز” ان خفض الانفاق الذي يؤثر في رفاه الشركة وموظفيها مقبول، لكن لا يجب أن يمس أبداً راحة العملاء ورفاههم، فإن كان المرء يدير مطعماً أو مقهى على سبيل المثال وبادر إلى خفض التكاليف بتقليص حجم وجبات العملاء، فهو بلا شك سيوفر المال لكنه في المقابل ربما يخسر العديد من العملاء، كما من غير المقبول أيضاً أن يخفض عدد منافذ الشراء فهذا بدوره يعرضه لخسارة العملاء الذين قد لا يروق لهم الانتظار في طوابير طويلة لشراء فنجان قهوة أو شطيرة غداء .

ويقول ستيفن هاوك رئيس شركة ستيفن هاوك للاستشارات الإدارية إن المبيعات هي روح الأعمال وبالتالي فعلى الشركات الحرص حتى على توسعة وتعزيز عمليات البيع والتسويق بصورة أكبر خلال فترات الأزمات الاقتصادية . ويمكن تحقيق ذلك من خلال رفع عمولات البيع كما فعلت بولا تراي أو عبر تقديم الهدايا المغرية لأفضل مندوبي المبيعات، كما فعل جوزيف جريكو رئيس شركة الإعلانات “انفو جروب” . كما يمكن كذلك اجتذاب المزيد من العملاء من خلال تقديم التخفيضات والحسومات المغرية .

وينصح الخبراء مديري الشركات الصغيرة بالتركيز على متابعة أوضاع شركاتهم المالية بصورة أكبر خلال أوقات المشاكل والأزمات الاقتصادية، وذلك من خلال الاطلاع على التقارير المالية المفصلة لاكتشاف أي خلل يقع لحظة وقوعه . 

ونورد على هذا الصعيد القصة التالية: اكتشف مارك جروسيتش الرئيس التنفيذي لشركة “هوسبتيلتي هولدنجز” التي تضم 100 موظف وتبلغ قيمتها 12 مليون دولار وتعمل في مجال إدارة المطاعم ان تكلفة التنظيف في أحد مطاعمه ارتفعت بمعدل 15% فقام بزيارة المطعم ليجد أنه يستخدم أدوات نظافة عالية التكلفة، ويقول بيل كوكس الرئيس التنفيذي لشركة “كوكس” للصناعة ان ارتفاع التكاليف لا بد أن يكون لها دوماً تفسير منطقي، ولذا فهو يحرص على متابعة تقارير الانفاق اليومي بدقة واهتمام . لكن لا يجب أن يقضي المرء كل وقته في متابعة انفاق الأموال، كيلا يشتت اهتمامه عن أمور أخرى ربما تكون أكثر أهمية، فالاعتدال دوماً له مزاياه وله أهميته .

ومن المهم كذلك أن يركز رئيس الشركة خلال فترات الأزمات كذلك على تدفقات الأموال التي تدخل إلى شركته، ومن الضروري كذلك التركيز على الوضع الائتماني لعملائه، فخلال الأزمات تواجه الكثير من الشركات مشاكل جراء عجز عملائها عن سداد ديونهم .

ويوصي الخبراء كذلك بتوطيد العملات مع الموردين ومع الجهات الممولة سواء أكانت بنوكاً أم شركات وساطة مالية .
والأهم من كل ما تقدم أن تحافظ الشركة في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها على مستوى المنتج أو الخدمة الذي تقدمه، فهذا ما يكفل لها دوماً الاحتفاظ بحصتها من السوق ويحقق لها ولاء العملاء لأنها في أمس الحاجة له خاصة خلال مثل هذه الأوقات الصعبة . ويمكن القول إن استراتيجية البقاء التي تطبق خلال الأزمات خير اختبار يمكن ان يواجهه رئيس شركة صغيرة وهي المحك الذي على أساسه يبرز الرئيس الأكثر تميزاً والقادر على البقاء وسط المصاعب والأزمات .