كيف تقيس الابتكار

بداية الفكرة

بدأ الدكتور سامي محروم العمل مع فريق خاص من الخبراء على تصميم مؤشر خاص لقياس الابتكار في بريطانيا منذ العام 2007 وتم إطلاقه عام 2008 بعد التنسيق مع الحكومة المركزية إلى جانب حكومات الأقاليم والمناطق في المملكة المتحدة، ومن ضمنها الجهات المعنية بتمويل سياسات دعم الابتكار ضمن الميزانية المحددة لكل إقليم، ومن هنا ظهرت الحاجة لوجود مؤشرات واضحة لقياس أثر تلك السياسات وتوفير بيانات دقيقة لعملها، ومن جانب آخر، كانت المؤشرات المتواجدة آنذاك معنية بقياس القدرات الإنتاجية المبتكرة للأقاليم المتطورة اقتصادياً، ولم يكن هناك دراسات لتعزيز القدرات الإبتكارية لدى باقي المناطق ذات الإمكانات الاقتصادية المحدودة في المملكة المتحدة. يقول محروم:"الابتكار المرتبط بالقيمة المضافة لا يعني بالضرورة اختراع تقنيات جديدة، بل يمكن الاستفادة من التقنيات الحديثة المتوافرة لتحقيق قيمة مضافة، على غرار الانترنت والكمبيوتر وغيرها، فمن الممكن تدريب القوى العاملة وباقي شرائح المجتمع من جانب، ومساعدة الشركات للحصول على وسائل حديثة بما من شأنها رفع مستويات الأداء بشكل ملموس، وبالتالي يمكن قياس التطور الحاصل بعد تحديث الصناعة أو أساليب إدارة الإنتاج وغيرها".

لاقت فكرة المؤشر استحساناً لدى المسئولين في الأقاليم المعنية بالدراسة، ولجأ فريق العمل إلى بناء مؤشرات فرعية للوصول إلى المؤشر الرئيسي، وكان أولها مؤشر القدرة الاستيعابية أو "absorptive capacity"، ومؤشر المقدرة التطويرية أو "development capacity".

 يعتمد مؤشر القدرة الاستيعابية على 3 عوامل رئيسية، أولها إمكانية الحصول على المعرفة، أي إمكانية الإطلاع على المنتجات المعرفية والتقنيات الحديثة والوصول إليها، والعامل الثاني هو القدرة على تبني المعرفة وتطبقيها كجزء من العمل أو مختلف جوانب الحياة، والعامل الثالث يتجسد في القدرة على نشر المعرفة في الإطار المحيط سواء كان المجتمع المحلي أو الشركات المحلية الأخرى، ويؤكد محروم على ضرورة توفر جميع تلك العوامل في أي بلد أو شركة لكي تتطور معرفياً وابتكارياً، ويلفت إلى أن قياس تلك العوامل بشكل دقيق يساعد الجهات المسئولة على كشف مواطن الضعف ومعالجتها، ففي حال أظهر المؤشر على سبيل المثال تدني قدرة نشر المعرفة، يمكن لصانع القرار توجيه الانفاق نحو إنشاء مراكز تدريب وتعاون في المجتمع المحلي بما يساهم في تأهيل الأفراد على استيعاب التقنيات الحديثة أو الأساليب العملية والعلمية الجديدة. ومن جانب آخر، يعتمد مؤشر القدرة التطويرية على عاملين، وهما تطوير وابتكار معرفة جديدة، أو الاستثمار الفعال للمعرفة الجديدة. ويشير محروم أن المؤشر قد لاقى نجاحاً واسعاً في المملكة المتحدة وتم تبني كنموذج أكاديمي ليتم استخدامه في مناطق أخرى من العالم.

التعريف العلمي

قد ينظر البعض إلى الابتكار كمفهوم مرتبط بالقطاع العلمي والتقني من حيث الاكتشافات والاختراعات الجديدة، لكن د. سامي محروم، يفضل استخدام التعريف الذي تعتمده الحكومة البريطانية وهو أن الابتكار يعني تقديم منتج أو خدمة جديدة بما من شأنه أن يوفر قيمة مضافة، لكنه يشير من جانب آخر إلى تعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOECD الذي يشمل الابتكارات التنظيمية والإدارية سواء كان ذلك تنظيم إدارة شركة أو مصنع ما أو ابتكار وتعديل نموذج عمل معين على غرار ما قامت به شركة "أمازون" على سبيل المثال، حيث ابتكرت نموذج عمل جديد قائم على بيع الكتب على الانترنت، ومن جانب آخر، يمكن تحقيق الابتكار في هيكلية المؤسسات أو البنية التنظيمية، ويأتي محروم بمثال عن الإبداع في نموذج العمل ضمن القطاع الصناعي ويضيف:"ابتكر اليابانيون نموذج عمل أطلقوا عليه “just in time”، أي التصنيع في الوقت المناسب"، حيث كانت شركات السيارات في السابق تقدّر حجم مبيعاتها للفترات القادمة وتقوم بتصنيع السيارات بالاعتماد على تلك التقديرات مع زيادة نسبية في حجم الإنتاج لتلبية الطلب المحتمل، ونتج عن هذه السياسة تراكم أعداد كبيرة من السيارات لدى الموزعين ونقاط البيع خاصة خلال فترات التباطؤ الاقتصادي، مما شكل عبئاً مالياً ولوجستياً، لكن وفي الجهة المقابل، ابتكر اليابانيون مبدأ التصنيع في الوقت المناسب والذي اعتمد على تزامن الإنتاج مع حجم الطلب، أي يتم تصنيع السيارة عند تلقي طلبات الشراء، وبادر اليابانيون إلى طرح مجموعة محدودة من الطرازات الجديدة في السوق في البداية ومن ثم تصنيع السيارات وفقاً لحجم الطلب مما أدى إلى حل مشكلة وجود فائض في الانتاج، ونظراً لهذه الفارق التنظيمي في إدارة التصنيع، وهو ابتكار جديد في حينها وابتكار في الناحية التنظيمية، فقد اكتسحت شركات السيارات اليابانية الأسواق العالمية وتفوقت مبيعاتها على نظيراتها الأمريكية، لكن الآن بات معظم الشركات تطبق النموذج الياباني في التصنيع، ويشكل هذه الابتكار التنظيمي إجابة واضحة على الرأي السائد بأن الابتكار محصور ضمن الاكتشافات والاختراعات الجديدة في قطاع العلوم والتقنية.

 يقول محروم:"الابتكار هو تقديم إضافة جديدة إلى الاقتصاد أو المجتمع بما يخلق قيمة مضافة لم تكن مكتشفة في السابق، ويمكن أن تتجسد تلك الإضافة في سلعة أو خدمة أو سياسة عمل أو إستراتيجية معينة في التسويق والمبيعات وغيرها".

http://www.inseadknowledge.ae/articles/Innovation_adoption_index.cfm

Post a Comment

Previous Post Next Post