التكامل بين الإدارة والقيادة

سامح جاد / القاهرة

القيادة مفهوم شامل وعنصر أساس في صناعة النجاح سواء في إدارة المؤسسات أو الشركات أو حكم الشعوب والدول ، فالقيادة الفعالة هي من بواعث نهضة الأمم.
القائد لا يعمل بمفرده وفي المنهج الإسلامي يؤكد "يد الله مع الجماعة" ولذلك فالإنجاز والأداء الجيد يرتكز على التكامل بين الإدارة والقيادة، فالقائد الفعال هو الذي يشكل فريقاً منوعاً من السلوكيات السابقة .
ويحدث التكامل من خلال دور القائد في دعم العلاقات الإنسانية والاهتمام بالمستقبل، والاهتمام بالرؤية والتوجهات الاستراتيجية، وممارسة أسلوب القدوة، والتدرب وقضاء الأوقات الطويلة مع الأتباع والاهتمام بهم كبشر، أما الإدارة فتركز على ما يتم إنجازه في الوقت الحاضر، ومن هنا فهي تركز على المعايير، وحل المشكلات، وإتقان الأداء، والاهتمام باللوائح، والنظم واستعمال السلطة. وكلاهما مهم فالقيادة وحدها تجعلنا نعيش في عالم المستقبل، والعلاقات، ونهمل الإنجاز الفوري المنوط بعمل الإدارة والذي بدونه لا يمكن أن نستمر


 

وليس دور الإدارة اتباع القائد فحسب بل عليها التفكر في منهج القائد، وتوجيهاته، وأوامره ويحللوها ليتأكدوا من توافقها مع القيم والمبادئ الصحيحة، وعندئذ يتبعونه، ويتعدى الأمر إلى تصحيح مسار القائد إن انحرف عن الرؤية، أو القيم أو المبادئ، فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد أن بويع بالخلافة خطب قائلاً: "إن أحسنت فأعينوني، وإن أخطأت فقوموني، فقام له رجل وقال: سنقومك بسيوفنا هذه يا عمر فقال له عمر: الحمد لله الذي جعل في أمة عمر من يقوم اعوجاجه بالسيف".

التحفيز والقيادة الناجحة


التحفيز يعني وصول العاملين في المؤسسة إلى حالة الشغف، والتلهف والسرور بأعمالهم، أي تحريك العاملين لأداء العمل ذاتياً، والتحفيز يأتي من أعماق النفس، وعملية التحفيز من أهم أركان صناعة القائد، وعلى قدر نجاحه في تحفيز الآخرين على قدر اكتسابه احترام، وثقة، وحب وولاء وإنتاج هؤلاء الآخرين.
يلاحظ بالتأكيد تفاوت طبيعة الأفراد من حيث استجابتهم إلى العوامل التي تؤثر على حافزيتهم، أو دافعيتهم للعمل من فرد لآخر، ومن مؤسسة لأخرى، فالبعض يمكن تحفيزه عن طريق الألقاب المهنية، والآخر يلهب حماسه بالرؤيا المستقبلية والقائد الفعال يحسن عملية التحريك باستعمال المفتاح المناسب للأتباع.
والنظرية التحفيزية ترفع الهمم وتجدد الطاقات وتلهب المشاعر وعناصرها ترتكز بشكل أساس بالاستحواذ على القلوب عبر بلورة رؤية تفجر الطاقات الكامنة، وتعطي صورة للمستقبل تستقر في القلب فتكون باعثاً، ومحركاً يستحق بالفعل النهوض مبكراً وترك دفء الفراش في أيام الشتاء الباردة، والإسراع إلى العمل.
وهو ما حدث في غزوة الخندق وجيش المسلمين محاصر، حيث أخذ الرسول المعول ويصور لأصحابه الرؤية المشرقة فيقول: "الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام" ثم يضرب بالمعول ويقول: "الله أكبر أعطيت مفاتيح الفرس"..
يرتكز التحفيز كذلك على تحقيق الاستقرار العائلي: فعندما يلمس الموظف اهتمام مؤسسته باستقراره العائلي من خلال الرعاية، والاطمئنان اللازمين فإن ذلك يشيع البهجة في القلب فيتولد منه رضا يزيل القلق ويهدئ الصراع النفسي الطاحن بين متطلبات العمل والحياة المهنية.
وأيضاً التلاحم والاندماج وهو ما يخلق الانتماء ويلهب المشاعر من خلال الإصغاء الفعال، وسماع النبض الداخلي للأفراد، والاتصال المزدوج حيث الأخذ، والعطاء بين جميع المستويات رسمياً، وغير رسمي، وأصدق دليل على هذا الأخذ بمشورة (سلمان الفارسي) في حفر الخندق.
يضاف إلى العنصرين السابقين الشراكة والملكية من خلال إسقاط الحواجز المعنوية، وذلك بالتقليل من المستويات الإدارية المتعددة وعدم إغلاق الأبواب بين المسئولين والموظفين حتى لا يشعر الموظف بأنه يعمل لحساب الغير، كما فعل عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عندما اشترط في تولية الأمراء للبلدان: "أريد رجلاً إذا كان أميرهم كأنه رجل منهم وإذا لم يكن أميرهم كان أميرهم".
وتتحقق الشراكة أيضاً من خلال نشر الأسرار بما يدل على الثقة، والمشاركة في السراء والضراء حيث اتخاذ القرار ورسم الخطط، وكذلك الأرباح المادية، وتحمل النتائج السلبية، وكل ذلك يشعر الموظف بنزعة الملكية مما يدفعه إلى العمل الجاد، والتفاني، والإبداع المستمر وتعزيز التعليم والتدريب.
فالقائد الناجح هو الذي يلهب الأفراد ليكتسبوا المعلومات والمهارات الجديدة عن طريق تشجيع التعليم المستمر وتوفير برامج تدريبية منهجية ومنح دراسية للراغبين وابتعاث بعض الموظفين المبدعين، فلا تطوير لمؤسسة بدون تطوير أفرادها.
ويرتبط التحفيز الذي تمارسه القيادة الناجحة أيضاً بالتمكين وتحرير الفعل، ويتم ذلك بمنح الموظف الحرية الحقيقية بالمحاولة، والخطأ وحرية التصرفات، والأفعال واتخاذ القرارات المناسبة في ضوء سياسات مساعدة له.


صناعة القائد


كما أسلفنا الذكر فإن الإسلام وضع منهج صناعة القائد كما نراه جلياً في القرآن والسنة وسيرة الصحابة والسلف فإذا كان أول ما نزل به القرآن "اقرأ" فالتعليم والارتقاء المستمر هو الخطوة الأولى في صناعة القائد المسلم وما يتطلبه ذلك من تعلم اللغة، ومهارات الحياة، وقوانين حصاد الجهد، وكذلك تعليم مهارة البحث العلمي، وتكوين رؤية واضحة للمستقبل المنشود، الاهتمام بجوانب القوة، وتنميتها.
ويرتكز التعليم للقائد المسلم على الأساس العقائدي والأخلاقي من الإيمان بالله تعالى، وأركان الإيمان والتزكية والأخلاق والأدب، والذوق العام والتفكر، والتأمل في الكون، والحياة، والخلق، والنفس، مراجعة القيم، والنوايا باستمرار، والتأكد من موافقتها، ومصلحتها للناس، وليس للفرد أو لمجموعة محددة ويأتي بعد التعليم خطوة مهمة وهي بناء العقل والوعي وهو ما يتأتى عبر دراسة المنطق، والفلسفة السليمة، والتاريخ، والتعلم من دروسه، وتعلم الإبداع وقواعد التفكير وفهم منهجية التغيير، وقواعد النجاح، وفلسفة القيادة.
ونجمل بعض المهارات المنهجية للقائد الفعال وهي تحديد الأهداف في الحياة، وعدم الانحراف عنها، الثقافة الواسعة وما يتعلق منها بالعلوم الشرعية واللغات والآداب والسياسة والاقتصاد والحاسب الآلي، والبرامج المتميزة، والتكنولوجيا الشخصية.
ولأن الإسلام دين "بناء المجتمع"؛ فالقائد الفعال هو الماهر في فن بناء العلاقات
وما يرتبط بتعلم بناء الأسرة، وتربية الأولاد، وفن التعامل مع الناس، ودراسة فن التعامل مع الأشخاص ، وكذلك فنون الاستماع، وبناء فريق العمل، وإدارة العمل الجماعي تعلم فن الحوار، والإقناع، وتعلم فن تحليل الشخصيات، وكيفية التعامل مع الأنماط المختلفة، وتعلم مهارات الإدارة.
ولا يكتفي القائد "الفعَّال" بالتعلم وإنما عليه التدريب العلمي عبر محاورة العلماء، والدعاة، والمختصين، والمفكرين وحضور الجلسات، والمناقشات السياسية، ولقاءات الشخصيات البارزة، وقراءة مذكرات القياديين أو الاستماع منهم مباشرة لتاريخهم لاستفادة والخبرة .

Comments