أساليب تربوية فاشلة / الجزء الثانى


أساليب تربوية فاشلة / الجزء الثانى
إسماعيل الأنصاري


فما زال حديثُنا عن الأساليب والأخطاء الشائعة والطَّرائق السيئة في التربية، وقد أشرنا إلى بعضها في مادة سابقة، والآن نُتابع الحديثَ بعون الله عنأساليبَ تربوية سيئة جديدة:

معاملة جميع الأبناء بأسلوب واحد:
يظن بعضُ الآباء والأمهات أنَّ أولادَهم جميعًا مُستنسخون من بعضهم، ولهم الأهواء نفسها، وطريقة التفكير نفسها، والطموحات والتطلُّعات والأهداف في الحياة نفسها.
فترى الأَبَ يعامل الولد الأكبر، كما يعامل الولد الأصغر، ويشتم الولد المتعلم، كما يشتم الولد الجاهل، ويضرب الولد العاقل والمؤدَّب، كما يضرب الولد الشقي البذيء.
ومِنْ معالم الجهل والتخلُّف لدى بعض المربِّين أنَّهم لا يعرفون ولا يقدِّرون الفروقات الفرديَّة والنفسيَّة بين أبنائهم، وهذا ظُلم عظيم، والتعامل مع الأبناء بطريقة عسكرية شديدة، وتعميم العقاب على الجميع بالطريقة نفسها هو أمرٌ يبعث على الكراهية، والتفْرقة بين الأبناء، وهذا لا يصح، خاصَّة في زماننا هذا؛ حيث تَتَنَوَّع الأفهامُ والعُقُول، واختلاف الناس في طرُق التفكير، فضلاً عنْ تأثير الثَّقافة الشخصيَّة، وتأثير وسائل الإعلام.


أسلوب (الضربة الاستباقية):
رَغم طرافة هذا الأسلوب إلاَّ أنه غير منطقي؛ حيث يقوم الأبُ بضرب ابنه دونَ سبب؛ بحجة أنَّ هذا الضربَ هو استباقٌ للعقاب على ذنبٍ يتوقع أنْ يفعلَه الولد لاحقًا، فإذا ارتكب الولد ذنبًا، لم يستحقَّ العقاب عليه؛ لأَنَّ عقابه قد ناله سابقًا.
ومن الطرق الهزلية المتبعة في العقاب: ضرب الولد فجأةً؛ بحجة مُعاقبته على ذنب ارتكبه قبل عدَّة أيام، أو تأجيل معاقبة الولد على الذنب حتى ارتكابه لذنب آخر، ثُمَّ جَمْع العِقابَيْن معًا.
هذه الأساليب وغيرها تُفقِد العقاب فائدته، هذا إن كان للعقاب ضرورة أصلاً، ولا يزال بعضُ الآباء بحاجة إلى تَوعِيَة بالطرائق الصحيحة لاستعمال العقاب كوسيلة تربويَّة.

أسلوب الشتائم:
بعض الآباء والأمهات للأسف لا يعرفون شيئًا عن التربية والتوجيه والإرشاد، ولا يعرفون شيئًا عن الأساليب المُثلى لتصحيح الأخطاء والتجاوُزات لدى الأبناء، فيلجَؤون إلى وسيلةٍ تافهةٍ لا يُعرف لها أيُّ فائدة، وهي الشتائم.
ورَغم بَحثي في هذا الموضوع بشكل مطوَّل، فإنَّني لم أستطعْ أنْ أفهمَ ما التوجيه التربوي المستَفاد مِنْ شتْم الطفل عند ارتكابِه خَطَأً ما؟

هل سماع الطفل للشتائم يُنمِّي فيه بَواعِثَ الخير، ويُنمِّي فيه الإحساسَ بالمسؤولية؟
هل ترفع الشتائم من معنويات الولد، وتُشجعه على فعل المعروف، والانتهاء عن المنكر؟
هل توقظ الشتائم ضميرَ الولد، فينتهي عمَّا يفعله من أخطاء؟


هذه الأسئلة وغيرها لا إجابة لها عند مَن يَحترِفون الشتائم، ويَحترفون الألفاظَ القبيحة والمنكرة، والحل هو استبدالُ هذه الألفاظ بأخرى جميلة تدُلُّ على الحُبِّ والرِّفق، واحتواء أخطاء الولد، وتَصحيحها بهدوء، وهذا أفضلُ من شتم الولد حتى لو كان خطؤه كبيرًا، ولنحتسب الأجرَ والثوابَ عند الله في كظم الغيظ.
أسلوب التخويف والتهديد:
من الأساليب التي سادتْ منذ القدم وما تزال: تَخويف الطفل وتَهديده بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن هو فعل كذا وكذا... وهذا الأسلوب خطير جدًّا، ويضعف شخصية الطفل، لا سِيَّما إن ترافق مع التهديد بالكَيِّ، والحرق، وقطع الأيدي، وقلع الأظافر، وغير ذلك، وكثير من الأطفال أصيبوا ببَعضِ الأمراض، والعُقَد النفسيَّة؛ نتيجةَ الخوف والقلق.
ومن مُلحقات هذا الأسلوب الخاطئ: فتحُ موضوعات لا داعِيَ لَها أمامَ الطفل، وتَحديثه بقصصٍ لا ينبغي سَماعها، كقصةِ الولد الذي أكلته الغوريلا؛ لأنَّه لم يدرس جيدًا، وقصة الفتاة التي اختطفتها أَكَلَةُ لُحوم البشر؛ لأَنَّها لَم تُساعد أمها في الطبخ... وغير ذلك من القصص والأساطير المفزعة، التي لا تُعَدُّ أسلوبًا تربوِيًّا، ولا تُعَدُّ طريقةً ناجحة في بناء شخصية قوية سوِيَّة، بل إنَّ الولد عندما يكبر ويتذكر هذه القصص، سيقلل من شأنِ أبويه وحكمتهما في تربيته، حينما يعرف أنَّ هذه القصص ما هي إلاَّ وهْمٌ وافتراء.
أسلوب الفضيحة:
من الأساليب الغريبة العجيبة، التي لا تَمُتُّ للتوجيه والتربية بصلة: فضح أخطاء الولد أمام الأقارب والجيران والأصدقاء.
فإذا ارتكب الولدُ خطأ ما، انتظر الأبُ حتى يَحين موعدُ زيارة الجيران أو الأقارب، وقام بينهم خطيبًا مفوهًا؛ ليقول: إن ابني فعل كذا وكذا... وأخطأ بكذا وكذا...
وهكذا يُصاب الولدُ بِحَرج شديد أمام الحاضرين، ويصاب بـ(سواد الوجه) أمامهم، وهذا مما قد يَمنعه من زيارتهم مُجددًا والاختلاط بهم؛ لأن سمعته قد ساءتْ أمامهم.
ولا أدري بصراحة ماذا استفاد الأبُ من هذا التصرُّف الغريب، إلاَّ مزيدًا من إضعاف شخصية الطفل، وتقليلِ شأنه أمامَ الآخرين؟
هل هذا الأسلوبُ هو الأسلوب الأمثل لِدَفْع الولد للكَفِّ عن أخطائه وأفعاله؟ ألَم يأمر ربنا بالستر؟
لا فائدةَ من هذا الأسلوب، وضررُه كبير على شخصية الولد، وعَلاقته بالآخرين، والبديل هو توجيه الولد بهدوء، وبشكل فيه خصوصية تربوية مُعينة؛ لعلَّ هذا يكون فيه النفع - بإذن الله.

Comments