التحاور

تابع للكتاب السابق

الفصل الثاني: 
السحر الأبيض

تحاور ساعة خير من تكرار شهر...هذه حقيقة تؤكدها التجربة...ويشهد لها الواقع
ومن هنا يأتي أهمية تحاور المربين مع أبنائهم.

فوائد التحاور:

1- التحاور يحترم الذات الإنسانية للأبناء فلا يفرض عليهم خبرات وتجارب الآباء فرضًا بل يترك تلك الخبرات
تنمو عن طريق اكتسابها ذاتيًا عبر المناقشة.
2- التحاور يدفع الابن إلى التفكير العميق والملاحظة 
والاستنتاج، بعيدًا عن التلقي والحفظ والترديد.
3- ومن ثم تزيد ثقته بنفسه عند طرح الأفكار أو الرد عليها.
لذلك يجب على المربين إتقان "فن الحوار" 
هذا الفن الذي يتطلب القليل من التروي، 
والكثير من التدريب؟!!!

طرق الحوار:

للحوار طرق كثيرة منها:

التعليم، التفاوض، التشجيع ،الاوامر والنواهي، 
المشاركة الوجدانية.
ولكن معظم المربين تحت ظروف المعيشة يلجأون إلى استخدام نوع معين من الحوارات مثل الإكثار من الانتقادات
أو إصدار الأوامر،...
" أسرع في ارتداء ملابسك"،
"إذهب للنوم"، 
"انهض لتستحم"،" 
اذهب ومشط شعرك المنكوش"،
وهكذا أغلب حديثنا لأبنائنا عبارة عن أوامر.
كما أننا في كثير من الأحيان نخلط إحدى طرق الحوار 
بطريقة أخرى، كأن نخلط بين طريقة
" الأمر والنواهي" و"طريقة التعليم".

ولذلك نحتاج إلى التعرف على طرق الحوار بشيء من التفصيل:

1- طريقة التعليم:

من النادر أن يمر يوم لا يقوم فيه الآباء بتعليم أبنائهم شيئًا ما،
لكن يجب ان يكون التعليم عبارة عن تجربة حانية دافئة 
تعمل على توثيق الروابط بين الأب وابنه أو الأم وابنتها؛
كأن يعلم الاب ابنه مثلا كيف يضع الطعم 
في صنارة الصيد، 
أو أن تعلم الأم ابنتها كيفية ترتيب الغرفة.
ومن هنا تكون العبارات التي ينصح باستعمالها..
" راقب كيف أقوم بذلك ثم حاول أن تفعل مثلي"..
"دعني أشرح لك"...
"لا بأس، الوقوع في الخطأ هو وسيلة تعلم الصواب".
وبالطبع تعد نغمة الصوت عاملا أساسيا، فعندما تقول لابنك - مثلا - " افعل ذلك بهذه الطريقة" بنغمة خشنة وغاضبة،
سيفهم الابن ذلك على انه انتقاد له وبالتالي يزيد توتره 
وربما لن يلجأ لطلب مساعدتك في المستقبل

2- طريقة المشاركة الوجدانية:

هي من الاساليب الهامة في التعامل مع الأبناء، 
وبخاصة عندما يشعرون بخيبة أمل أو ضيق مما حولهم،
في هذا الوقت هم يحتاجون غلى مدواة جراحهم أكثر 
من احتياجهم لحل مشاكلهم.
على سبيل المثال: عندما عادت سمية من المدرسة حزينة
لأن زميلتها فضلت اللعب مع اخرى، 
أرادت أمها أن تخرجها من حزنها فقالت:
سوف تعود أختك حالا الى المنزل وتلعبين معها.
فالأم هنا لم تقم بمشاركة ابنتها وجدانيا.
فالصواب أن ترد الأم قائلة: لابد انك تشعرين بالحزن من أجل تصرف زميلتك ،أليس كذلك؟
فتدرك سمية حينها ان أمها تشاركها مشاعرها 
فيدفعها ذلك لمزيد من التحدث عن مشاعرها قائلة:
" أن هذا يحدث كثيرًا من زميلتي هذه".
ومن هنا تكون العبارات الأنسب استخداما في هذا 
النوع من الحوار:
" إنك حزين لأجل ما حدث، أليس كذلك؟" .... 
" أعرف انك تشعر بالخوف من....." 
" أعرف انك مشغول لأن غدًا بداية الامتحانات"
وكما ترى - عزيزي المربي - 
هذه العبارات تحتوي على تفهم المشكلة أكثر
من محاولة حلها.

3- طريقة التفاوض:

عندما تنصت لأبنائك وتحاول فهم الأسباب التي تدفعهم
لطلب شيء ما وتتفاوض معهم "أحيانا" 
للتوصل الى اتفاق ما، فسوف يعود ذلك بالنفع عليهم.
ومن أمثلة العبارات الخاطئة للتفاوض:
" لا بأس يمكنك أن تمارس لعبة أخرى من ألعاب الكمبيوتر، ولكن كف عن الصراخ"

فالصواب هو: " قبل أن تذهب للحفل، 
أريد منك القيام بترتيب غرفتك، 
فهل تبدأ بترتيب المكتب أم المكتبة"........ "
أعرف انك تريد الذهاب لصديقك اليوم 
ولكن الجو بارد جدا، هل يمكن الاطمئنان عليه بالهاتف".
فالتفاوض يكون بلا يأس، وهذا يجعلنا نتوصل لحل وسط، 
مع التبصير بالعواقب.

4- طريقة الأوامر والنواهي:

لكي نستطيع أن نفرق بين هذه الطريقة وطريقة التعليم،
نحاول أن نتأمل هذا الحوار الذي دار بين "أحمد" ووالدته:
الأم: أحمد ، قم بارتداء معطفك إذا كنت تنوي
الخروج حتى لا تصاب بالبرد.
أحمد: لاتخافي يا أمي فلن أصاب بالبرد.
الام: بل ستصاب بالبرد، ولذلك عليك ارتداء المعطف.
أحمد: ولكني يا أمي....
الأم: لا أود أن تخرج دون ارتداء معطفك.
أحمد: ولكني أود ذلك!!!!
هنا خلطت الام
بين" طريقة الأوامر والنواهي" و"طريقة التعليم"،
فاذا كانت فعلا تريد أن يرتدي أحمد معطفه
كان ينبغي أن تقول ذلك دون إبداء السبب وراء ذلك،
ونرى ان الأم عرضت رأيها " لا أود أن تخرج...." 
وكأنها نعبر عن رأيها في المسألة، 
وهذا بالطبع أعطى الابن إمكانية أن يقول" ولكني لا أود".
لذلك العبارات التي نستخدمها في هذا النوع من التحاور لابد أن تحمل نوعا من القواعد التي لا تفاوض حولها، 
لأن هذا التفاوض يفقدها معنى القاعدة من مثل:
" من الخطأ أن تضرب اختك"...
" قم بإغلاق الكمبيوتر، فهذا موعد العشاء"
لا شك ان هذه العبارات تحمل معنى واضح ومباشر.
ونؤكد هنا أيضا على استخدام كلمة " من فضلك" فهي كلمة السر في إحكام السيطرة على الابن دون جرح مشاعره.

5- طريقة التشجيع:

معظم الآباء والأمهات يقعون في خطأ الإسراع إلى 
انتقاد السلوك السيء، 
أو الثناء على السلوك الجيد مع اتباعه بنقد الابن.
فمن العبارت الخاطئة مثلا:
" لقد كففت عن الشجار مع أخيك أخيرًا 
بعدما وبختك وهددتك...أليس كذلك؟
ولعلاج هذا الخطأ لابد أن نتعلم أن الثناء الممزوج بتعبيرات 
الوجه الحانية هو الطريقة الصحيحة للتشجيع.
ومن هنا تكون العبارت المستخدمة لهذا النوع من التحاور مثلا:
" كان من الممكن ان تغضب من أختك أو تضربها،
ولكنك لم تفعل،
ماشاء الله تملك سعة صدر تجعلني فخور بك"....
" لقد لاحظت انك تقاسمت هديتك مع اخيك،
وهذا يدل على عطفك ورقة مشاعرك، بارك الله فيك"
ولا شك أن أنسب وقت لاستخدام هذا النوع من التحاور
عندما يأتي الطفل بسلوكيات جيدة وطيبة.
أخي الاب....أختي الام....أيها المربون:
اذا شعرتم ان جهودكم الحوارية لا تأتي بالنتائج المرضية
في تربية أبنائكم، فراجعوا طرقكم في التحاور،
فقد تكونوا أفرطتم في استخدام نوع على حساب الآخر،
فاذا وجدتم ذلك فأعيدوا حساباتكم ولتعملوا 
على المحاولة مرة أخرى.

* هدوء التحاور:

من أعظم ما ينمي العلاقة بينك وبين أبنائك أن يكون هناك 
جلسات هادئة تتواصل فيها مع ابنائك عن طريق
الحوار الهادئ وجلسات الحب التي تزرع القيم والمبادئ 
التي لا ينساها الابناء أبدا ، 
ولكن نحذر هنا من شيء وهو أنه كلما كانت لهجتنا في 
الحوار أكثر حدة وأكثر قسوة كلما زاد توترنا وانزعاجنا، 
لكن كلما كنا نتحدث بهدوء أكثر، أصبحنا أقل توترًا.
فالمطلوب منك اثناء تحاورك مع ابناءك ان تشرح وجهة نظرك ، وأن تسمع وجهة نظرهم، فالذي يبدأ بالتحاور دائما أنت أيها المربي حتى وان لم يبدأ ابنك معك.
فمثلا: 
الأب : أنك يا محمد سعيد اليوم، لابد أنك حققت نجاح ما...
فيرد محمد: نعم يا أبي لقد حصلت على الدرجة 
النهائية في الرياضيات.
الاب:ممتاز، ماشاء الله لا قوة الابالله.
وعلى العكس من ذلك ،جاء الابن من المدرسة فقال مثلا:
- احمد صديقي ضربني في المدرسة.
- فكانت إجابة الأم أو الأب:
هل أنت واثق أنك لم تبدأ بضربه أولا؟!!
فالخطأ هنا إغلاق باب الحوار بدلا من فتحه،
وسيهرب الابن منك بعد ذلك لأنك تعطيه 
إحساس بأنه يلجأ إلى محقق أو قاضي يملك الثواب والعقاب.
ولا يعني أن نبدأ نحن بالتحاور دائما فنجعله فرضًا على أبنائنا،
فقد تقتضي الحكمة التربوية - أحيانًا - ترك الابن مراعاة لظروفه النفسية، وحادثته في وقت يكون فيه خالي الذهن وصافي النفس ومفتوح القلب فإن للقلوب إقبالا كما أن لها إدبارًا.
مثال:
الأب: هل انتهيت من واجبك يا أحمد؟
أحمد : نعم يا أبي
الاب: متى؟
أحمد: بعد الظهر
الاب: في اي مادة؟
أحمد: اللغة العربية...!!
لاشك هنا أن الاجابات المختصرة توحي بأن الابن 
ليس على استعداد للتحاور مع أبيه، 
لذلك من الحكمة عدم الالحاح على الابن بالكلام.
ولكن النقطة المهمة التي نركز عليها هي : أن يكون التحاور بهدوء، لان من صفات الحوار الناجح أن يكون هادئًا 
بالاضافة أنه يكون متسلسلا بشكل منطقي.

* فنية التساؤل:

لا شك أن الاسئلة
1- وسيلة لاهداف حوارية متعددة.
2- وسيلة لتحويل موضوع الحوار اذا أردنا.
3- وسيلة لتنشيط عملية التحاور.
4- وسيلة للتأكد من صحة بعض المعلومات
5- وسيلة لإثارة تفكير الأبناء.
فالاسئلة تكون في غايه الأهمية اثناء التحاور 
لذلك لابد من معرفة كيفية صياغتها؟
ومتى نثيرها؟ 
وما هي أولوياتها؟

وللتساؤل أساليب متنوعة منها:

1- أسلوب الاسئلة المغلقة:
الاسئلة التي تقيد الابن بوضع الإجابة في اطار محدد...مثل:
"هل توافق هذا الأمر أو تخالفه؟".
" من قال ذلك؟" 
لذلك هي تتميز بسيطرة المربي على الأسئلة والأجوبة
معا وتجعله يصل لهدفه من أقرب طريق.

2- أسلوب الاسئلة المفتوحة:

هي الاسئلة التي تتيح للابن أن يجيب عن الأسئلة 
من أي زاوية يريدها وبكم المعلومات التي يحب ذكرها،
مثل:
ما رأيك في كذا؟ 
ما الوسائل التي تقترحها للإفادة من كذا؟"
فميزة هذا النوع أنه يجعل الابن يتكلم بينما نحن
ننصت فقط وبذلك نحصل منه على أكبر قدر
ممكن من المعلومات التي نريدها أو نعرف كيف يفكر؟
ومن ثم هذا النوع من الاسئلة هو المناسب لبدء الحوار.

3- أسلوب الاسئلة المتتابعة من الانفتاح إلى الانغلاق التام:

هي أسئلة متدرجة يحاول بها السائل أن يصل 
إلى هدفه بالتدرج عبر الانغلاق والانفتاح.
ولذلك نقول أنه يجب استخدام كل نوع في موضعه.
فمثلا:
إذا كان ابنك غاضبًا فاسأله بعض الاسئلة الاستفهامية، 
حتى يتبين لك سبب غضبه.
أما اذا كان رافضًا للحوار وأردت إغراءه بالحديث 
فقم بتوجيه أسئلة لا يمكن الإجابة عليها بكلمة أو كلمتين مثل: 
ما الأسئلة التي تضمنها امتحان مادة التاريخ اليوم؟
وإذا جاء طفلك وأخبرك بشيء ما
ساعده على جعل الحوار مفتوحا
وذلك بإبداء التعليقات بدلا من إغلاق باب الحوار.
من النقط المهمة أيضًا أنه يجب أن نشجع الأبناء 
على إلقاء الأسئلة التي تجعلهم يفهمون الاشياء
الغامضة المحيطة بهم، 
حتى وان كانت بعض الاسئلة تحمل نوعًا
من الحرج للأب أو الام، قم باجابتها عليهم 
اذا كنت تعرف الجواب، 
أما إذا كنت لا تعرف فأخبرهم بذلك بدلا من استخدام 
أسلوب اللف والدوران ودعهم يبحثون معك عن إجابة لها.

سحر الحوار:

أي مربي بحاجة لمد جسور الثقة بينه وبين أبنائه،
وذلك يفيده في أمرين:
1- التأثير فيهم
2- تصحيح أخطاء الأبناء وتقويم اعوجاجهم.
ومن أهم الاشياء التي تساعد على ذلك هو 
إحساسهم بانك تحبهم، متقبل لشخصياتهم، 
تتفهم أخطاءهم وتساعدهم على عدم تكرارها.

ومن هنا النصيحة التربوية لكل مربي
أن يتعرف ويتعلم لغة الجسد والعينين 
- إذا اتسع بؤبؤ العين دل ذلك على أنه سمع منك 
شيئًا أعجبه وأسعده.
- اذا ضاق بؤبؤ العين ربما دل ذلك على أنه
لا يصدقك فيما تقول.
- اذا رفع حاجب واحد دل ذلك على أنك إما قلت شيئا 
لا يصدقه أو أنه يراه مستحيلا.
- أما رفع كلا الحاجبين فإن ذلك يدل على المفاجأة.
- إذا حك أنفه او مر بيديه على أذنه 
فهذا يدل على أنه متحير فيما تقول، 
ومن المحتمل أنه لا يعلم مطلقًا ما تريد منه أن يفعله.
تقطيب الجبين يعني ذلك أنه متحير أو مرتبك
أو أنه لا يحب سماع ما قلته توا 
تقطيب الجبين ورفعه لأعلى فان ذلك يدل على دهشته لما سمعه منك.
عند هز الكتف يعني أنه لا يبالي بما تقول.
كما ان النقر بالاصابع على ذراع المقعد أو على المكتب 
يشير إما الى العصبية أو عدم الصبر.
وعندما يربت بذراعيه على صدره فان ذلك يدل على أنه يحاول عزل نفسه عن الآخرين أو يدل على خوفه منك.
تلك هي الاشارات التي تعطينا فكرة عن لغة الجسد.
وفي نهاية هذا الفصل نؤكد على
ممارسة "الحوار" والتفاعل مع الأبناء 
من خلال " هدوء التحاور"
واستخدام " فنية التساؤل" و " انظر الى عيني ابنك مباشرة ولا تنظر الى منطقة منتصف الجبين" فإنك إن فعلت ، أتقنت"سحر الحوار" ذلك " السحر الأبيض"

Post a Comment

Previous Post Next Post