كيف تُصنع الموهبة؟ صناعة الموهوب بين الفطرة والتوجيه
من اعداد الدكتور بدر رمضان الحوسني
(منسق بواسطة الذكاء الاصطناعي)
مقدمة
الموهبة ليست هبة محفوظة لأقلية محظوظة، بل هي طاقة كامنة في كل إنسان، تنتظر من يكتشفها، ويغذيها، ويوجهها لتثمر. وفي زمن تتسارع فيه التغيرات، وتتنوع فيه مجالات الإبداع، لم يعد كافيًا أن ننتظر بروز الموهبة تلقائيًا، بل أصبح من الضروري صناعة بيئة تصنع الموهوب، وتؤمن أن التميز لا ينبت في فراغ، بل يُروى بالوعي والرعاية والاستثمار.
فكيف نُصنع الموهبة؟ وما الأدوار التي تلعبها الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، في تحويل الإمكان إلى إنجاز؟ هذا المقال يرصد المفاتيح الأساسية لصناعة الموهوب، من منظور متكامل يجمع بين التربية، والقيادة، والابتكار.
أولًا: الموهبة بين الفطرة والصناعة
الموهبة في أصلها هي ميل فطري نحو مجال معين، يظهر من خلال تفضيل الطفل لأنشطة محددة، أو براعته فيها دون تدريب طويل. لكن الفطرة وحدها لا تكفي. فالموهبة مثل البذرة: إن تُركت دون رعاية، تذبل. وإن زُرعت في أرض خصبة، وسُقيت بالتحفيز، وتعرضت لأشعة التوجيه، أثمرت تميزًا.
لذلك، صناعة الموهوب هي عملية تداخلية، تبدأ من الفهم المبكر لقدرات الطفل، ولا تنتهي إلا حين يُتاح له أن يُترجم هذه القدرات إلى قيمة حقيقية في حياته وحياة مجتمعه.
ثانيًا: البيئة هي الفارق
لا يصنع الموهوب في بيئة خانقة، ولا يُكتشف في سياق لا يُشجع على الاختلاف. أهم ما يحتاجه الطفل الموهوب هو:
-
بيئة آمنة نفسيًا، لا تسخر من أفكاره المختلفة، ولا تُجبره على التقليد.
-
بيئة محفزة معرفيًا، توفر له مصادر متنوعة، وتجارب ممتدة.
-
بيئة مرنة إداريًا، تتيح له الوقت والمساحة لاستكشاف اهتماماته.
في كثير من الحالات، لا تفشل الموهبة لأن الطفل غير قادر، بل لأن السياق المحيط لم يُعطه الإذن أو الفرصة لأن يعبّر عن ذاته بحرية.
ثالثًا: دور الأسرة في صناعة الموهوب
الأسرة هي أول معمل لصقل الموهبة، وأهم مختبر لتشكيل الشخصية المبدعة. ومن الأدوار الجوهرية للأسرة:
-
الملاحظة الواعية: تتبع ميول الطفل منذ الصغر، دون فرض توقعات جاهزة عليه.
-
التحفيز المتزن: مدحه عند الإنجاز، لا المبالغة في التوقعات حتى لا يتحول الضغط إلى عائق.
-
توفير الفرص: تسجيله في دورات، زيارة المعارض، الاحتكاك بأشخاص مميزين في مجاله.
-
الاحتواء عند الفشل: لأن الفشل جزء من الرحلة الإبداعية، وليس نقيضًا لها.
رابعًا: المدرسة كمسرح لصناعة الموهبة
المدرسة ليست مكانًا لتلقين المناهج فقط، بل هي حاضنة للتميز. دورها يتجاوز التقييم إلى:
-
اكتشاف المواهب مبكرًا من خلال أدوات تشخيص تربوية.
-
إدماج الطفل الموهوب في مشاريع، ومسابقات، ومبادرات تحفز إمكاناته.
-
توفير معلم متمكن، يتعامل مع الموهبة كفرصة للنمو، لا عبء على النظام.
-
تخصيص ساعات إثرائية مرنة، تعزز التفكير النقدي، والبحث، والابتكار.
خامسًا: المجتمع وصناعة المساحة العامة للمبدع
المجتمع الذكي هو من لا يكتفي بتمجيد النماذج الناجحة، بل يصنع نظامًا يفرز ويغذي مواهبه بشكل مستمر.
وهذا يتطلب:
-
دعم الإعلام للمواهب الحقيقية، وليس فقط المحتوى الترفيهي.
-
تقديم منح ومبادرات لتمكين الأطفال والناشئة من صقل مهاراتهم.
-
ربط الموهبة بسوق العمل، والاقتصاد، والتنمية، لا بحفلات الجوائز فقط.
سادسًا: إشارات مبكرة لاكتشاف الطفل الموهوب
بعض المؤشرات التي قد تدل على موهبة واعدة:
-
طرح أسئلة غير تقليدية.
-
عمق التفكير رغم السن المبكر.
-
قدرة عالية على التركيز في مجالات محددة.
-
خيال واسع، وسرعة في التعلم.
-
حس فني أو لغوي أو رقمي يسبق أقرانه.
ليس من الضروري أن يظهر كل ذلك دفعة واحدة، لكن المهم هو ألا نُطفئ النور حين يظهر.
خاتمة: هل ننتظر الموهبة أم نبنيها؟
الموهبة ليست حدثًا نادرًا، بل فرصة متاحة لكل طفل إذا توفر له الداعم، والموجه، والمساحة. أن نصنع موهوبًا لا يعني فقط أن نُخرِج عالِمًا أو فنانًا أو مخترعًا، بل أن نُعيد للطفل إيمانه بنفسه، ونُشعره أن اختلافه ليس عبئًا، بل هويته وقيمته.
صناعة الموهبة مسؤولية تربوية ووطنية، تبدأ من سؤال بسيط: ماذا يمكن لهذا الطفل أن يكون، لو وجد من يؤمن به؟
ومن هذه النقطة تبدأ كل الحكايات العظيمة.
تعليقات
إرسال تعليق