نحلة المهام الصغيرة تصنع الفرق الكبير




نحلة المهام الصغيرة تصنع الفرق الكبير

بقلم الدكتور بدر رمضان الحوسني


هل تساءلت يوما لماذا ينجح البعض في تحقيق تأثير عظيم رغم ان اعمالهم تبدو بسيطة وصغيرة


في عالم تتسارع فيه الاحداث وتتزاحم فيه التطلعات نحو الانجاز السريع والنتائج الفورية تغيب عنا احيانا الحكمة البسيطة التي همست بها نحلة صغيرة حين قالت ان قمت بالمهام الصغيرة كما يجب ستحدث فرقا كبيرا


هذه العبارة ليست مجرد تأمل عابر بل هي فلسفة متكاملة في العمل والحياة كثيرون يتطلعون الى التغيير الجذري والانجازات العظيمة لكنهم يغفلون عن ان التغيير الحقيقي يبدأ من تفاصيل صغيرة من مهام بسيطة تتكرر كل يوم من حرص صادق على اداء ما بين ايدينا باتقان لا يشترط التصفيق ولا يبحث عن الاضواء


النحلة في بيئتها تعمل في صمت تجمع الرحيق من زهرة الى زهرة لا تتباهى بما تفعل لكنها في نهاية المطاف تصنع العسل وتساهم في تلقيح الازهار وتحافظ على توازن الطبيعة لا تطالب بمقابل ولا تشتكي من مشقة انها تؤدي دورها باتقان لان المهمة نفسها تستحق ولانها تؤمن ان جودة العمل لا تقاس بحجمه بل باخلاص من يقوم به


في بيئات العمل غالبا ما يظن البعض ان المهام الصغيرة لا تستحق الاهتمام وان التركيز يجب ان ينصب فقط على المشاريع الكبرى والقرارات الاستراتيجية غير ان المؤسسات الناجحة هي التي تعي ان قوة المنظومة تكمن في تفاصيلها وان كل اجراء اداري بسيط وكل رسالة بريدية مكتوبة باتقان وكل لقاء صفي مخطط له باخلاص يضيف الى رصيد الانجاز العام


واذا اردنا مثالا واقعيا يجسد هذه الفلسفة فلننظر الى المعلم الحقيقي ذلك الذي يدخل فصله كل يوم يحمل شغفه ويزرع كلماته في عقول الطلبة دون ان ينتظر شكرا ولا مديحا يشرح الدرس نفسه عشرات المرات لكن بروح مختلفة في كل مرة يصغي لصوت طالب مرتبك ويشرح له بهدوء يصحح خطأ املائيا صغيرا لانه يعلم ان الاتقان يبدأ من التفاصيل يكتب ملاحظاته على دفتر الواجب ويبتسم وهو يعلم انه يساهم في بناء جيل


المعلم هو نحلة المعرفة في بيئة التعلم لا يصنع الفرق بصوته المرتفع ولا بشكله الخارجي بل بتفانيه في التفاصيل الصغيرة التي لا يراها الا من يحمل رسالة حقيقية فحين يحرص على ترتيب فصله وتحضير درسه ومتابعة طلابه وتقديم الدعم لهم بصبر فهو لا يؤدي مجرد وظيفة بل يسهم في صناعة مستقبل وطن


المدير القائد هو من يفهم هذا المبدأ لا يحتقر جهدا صغيرا ولا يمر على الخطأ العابر مرور الكرام يعرف ان الاصلاح المؤسسي يبدأ من سلوك يومي واع وان تطوير المنظومة لا يتحقق فقط بالخطة الاستراتيجية بل بممارسات صغيرة متكررة ينضبط فيها الجميع


اننا في مرحلة تتطلب ان نعيد الاعتبار للمهمات الصغيرة ان نعلم ابناءنا ان ترتيب الغرفة واكمال الواجب واحترام الوقت هي ممارسات تصنع منهم قادة في المستقبل وان نغرس في موظفينا ان الرد على البريد الالكتروني بدقة والاعتذار عن الخطأ ومساعدة الزميل ليست مجرد تفاصيل بل هي ما يشكل نسيج المؤسسة المتقدمة


من هنا يصبح صوت النحلة الصغيرة ملهما في زمن يعلي من الضجيج لانه يذكرنا ان لا فرق كبيرا يتحقق دون تفاصيل صغيرة تم تنفيذها بعناية واننا لا نحتاج دوما الى ضجيج النجاح بل الى صمت الاتقان


فشكرا لتلك النحلة لانها فهمت الحياة اكثر منا وشكرا لكل معلم ومعلمة آمنوا ان العمل الصادق بصمت هو ما يبني الاثر الحقيقي في حياة الاخرين


تعليقات

  1. بارك الله فيك ثقافة ينبغي العمل بها من قبل الجميع

    ردحذف
  2. بدريه عبدالله الحوسني20 مايو 2025 في 8:33 ص

    مقال جدا ممتاز و يحتاج الي نشر ويجب ع الكل الاستفاده منه

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

لماذا يتفوق الذكاء العاطفي على الذكاء العقلي في النجاح الحديث؟

ثقافة الانشغال الى التوازن في عقد 2020 – عدسة على طلبة المدارس

الاحتراق الوظيفي والاجهاد النفسي المزمن في البيئة التعليمية: معلمون ومعلمات في قلب التحدي

يعني ايه ذكاء عاطفي ❤️🧠، كتاب: النوع الآخر من الذكاء #أخضر

الصحة النفسية للطلبة في البيئة المدرسية: بين الدعم الوقائي والاستجابة المؤسسية

نموذج خطة عمل مشروع تربوي

ملخص كتاب أفكار صغيرة لحياة كبيرة

مفهوم التخطيط التنفيذي